monaya
عزيزي زائرنا الكريم : قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 1516
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضوا معنا قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 316142

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة مناياMad

مع تحيات اسرة منايا
monaya
عزيزي زائرنا الكريم : قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 1516
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضوا معنا قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 316142

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة مناياMad

مع تحيات اسرة منايا
monaya
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

monaya

منتدي منايا .... منتدي كل الامنيات
 
الرئيسيةمجلة مناياأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص الصحابة راضى الله عنهم

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالأربعاء 17 مارس 2010 - 0:36

أبو الدرداء



يوم اقتنع أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاسلام دينا ، وبايع الرسول -صلى الله عليه
وسلم- على هذا الديـن ، كان تاجر ناجحا من تجار المدينة ، ولكنه بعد الايمان بربـه
يقول :" أسلمت مع النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- وأنا تاجر ، وأردت أن تجتمع لي
العبـادة والتجارة فلم يجتمعا ، فرفضـت التجارة وأقبلت على العبادة ، وما يسرنـي
اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، حتى لو يكون حانوتي على باب
المسجد ، ألا اني لا أقول لكم ان اللـه حرم البيع ، ولكني أحـب أن أكون من الذين لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ...


جهاده ضد نفسه

لقد كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- حكيم تلك الأيام العظيمة ، تخصصه
ايجاد الحقيقة ، فآمن بالله ورسوله ايمانا عظيما ، وعكف على ايمانه مسلما
اليه نفسه ، واهبا كل حياته لربه ، مرتلا آياته :" ...
ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ...
كان -رضي الله عنه- يقول لمن حوله ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها
عند باريكم ، وأنماها في درجاتكم ، وخير من أن تغزو عدوكم ، فتضربوا
رقابهم ويضربوا رقابكم ، وخير من الدراهم والدنانير ... ذكر الله ، ولذكر
الله أكبر ) ...


ومضات من حكمته وفلسفته

سئلت أمه -رضي الله عنه- عن أفضل ما كان يحب ، فأجابت التفكر والاعتبار
) ... وكان هو يحض اخوانه دوما على التأمل ويقول تفكر ساعة خير من
عبادة ليلة ) ... وكان -رضي الله عنه- يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى
لثرواتهم فيقول اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب ) ، فسئل عن شتات
القلب فأجاب أن يكون لي في كل واد مال ) ... فهو يمتلك الدنيا
بالاستغناء عنها ، فهو يقول من لم يكن غنيا عن الدنيا ، فلا دنيا له )
...
كان يقول لا تأكل الا طيبا ولا تكسب الا طيبا ولا تدخل بيتك الا طيبا ) ...
ويكتب لصاحبه يقول ... أما بعد ، فلست في شيء من عرض الدنيا ، الا وقد
كان لغيرك قبلك ، وهو صائر لغيرك بعدك ، وليس لك منه الا ماقدمت لنفسك ،
فآثرها على من تجمع له المال من ولدك ليكون له ارثا ، فأنت انما تجمع
لواحد من اثنين : اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله ، فيسعد بما شقيت به ،
واما ولد عاص ، يعمل فيه بمعصية الله ، فتشقى بما جمعت له ، فثق لهم بما
عند الله من رزق ، وانج بنفسك ) ...
وانه ليقول ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، ويكثر علمك ، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى ) ...
عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة ، وشوهد أبا الدرداء وهو
يبكي ، فسأله جبير بن نفير يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله
فيه الاسلام وأهاه ؟) ... فأجاب أبوالدرداء ويحك يا جبير ، ما أهون
الخلق على الله اذا هم تركوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة ، لها الملك
، تركت أمر الله ، فصارت الى ما ترى ) ... فقد كان يرى الانهيار السريع
للبلاد المفتوحة ،وافلاسها من الروحانية الصادقة والدين الصحيح ...
وكان يقول التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله فان لله
نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ،
ويؤمن روعاتكم ) ...
في خلافة عثمان ، أصبح أبو الدرداء واليا للقضاء في الشام ، فخطب بالناس
يوما وقال يا أهل الشام ، أنتم الاخوان في الدين ، والجيران في الدار ،
والأنصار على الأعداء ، ولكن مالي أراكم لا تستحيون ؟؟ ... تجمعون مالا
تأكلون ، وتبنون مالا تسكنون ، وترجون مالا تبلغون ، قد كانت القرون من
قبلكم يجمعون فيوعون ، ويؤملون فيطيلون ، ويبنون فيوثقون ، فأصبح جمعهم
بورا ، وأملهم غرورا ، وبيوتهم قبور ... أولئك قوم عاد ، ملئوا ما بين عدن
الى عمان أموالا وأولادا ) ... ثم ابتسم بسخرية لافحة من يشتري مني
تركة أل عاد بدرهمين ؟!) ...

تقديسه للعلم

كان -رضي الله عنه- يقدس العلم كثيرا ، ويربطه بالعبادة ، فهو يقول لا
يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما ، ولن يكون بالعلم جميلا ، حتى يكون به
عاملا ) ... كما يقول ما لي أرى علماءكم يذهبون ، وجهالكم لا يتعلمون
؟؟ ... ألا ان معلم الخير والمتعلم في الأجر سواء ، ولا خير في سائر الناس
بعدهما ) ... ويقول -رضي الله عنه- ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال
لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق : يا عويمر ، هل علمت ؟؟ ... فأقول : نعم
... فيقال لي : فماذا عملت فيما علمت ؟؟ ... ) ...

وصيته

ويوصي أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاخاء خيرا ، ويقول معاتبة الأخ
خير لك من فقده ، ومن لك بأخيك كله ؟ ... أعط أخاك ولن له ، ولا تطع فيه
حاسدا فتكون مثله ، غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده ... وكيف تبكيه بعد الموت
، وفي الحياة ما كنت أديت حقه ؟) ...
ويقول رضي الله عنه وأرضاه اني أبغض أن أظلم أحدا ، ولكني أبغض أكثر
وأكثر ، أن أظلم من لا يستعين علي الا بالله العلي الكبير ) ...
هذا هو أبو الدرداء ، تلميذ النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وابن الاسلام الأول ، وصاحب أبي بكر وعمر ورجال مؤمنين ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالأربعاء 17 مارس 2010 - 0:44

أبو سفيان بن الحارث

سيرته





أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، قيل اسمه كنيته وقيل اسمه المغيرة ابن
عم رسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- وأخو الرسول من الرضاعة اذ أرضعته جليمه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مرضعة الرسول بضعة أيام، تأخّر إسلامه وكان ممن آذى النبي -صلى الله عليه وسلم-...

إسلامه





وأنار الله بصيرة أبي سفيان وقلبه للإيمان، وخرج مع ولده جعفر إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تائباً لله رب العالمين، وأتى الرسول -صلى
الله عليه وسلم- وابنه مُعْتَمّين، فلما انتهيا إليه قالا: (السلام عليك
يا رسول الله)... فقال رسول الله: (أسْفِروا تَعَرّفوا)... فانتسبا له
وكشفا عن وجوهِهما وقالا: (نشهد أن لا اله الا الله، وأنك رسول الله)...
فقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أيَّ مَطْرَدٍ طردتني يا أبا سفيان، أو
متى طردتني يا أبا سفيان)... قال أبو سفيان بن الحارث: (لا تثريبَ يا رسول
الله)... قال رسول الله: (لا تثريبَ يا أبا سفيان)... وقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب: (بصِّرْ ابن عمّك الوضوء والسنة ورُحْ
به إليّ)...
فراح به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلّى معه، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علة ابن ابى طالب[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فنادى في الناس: (ألا إنّ الله ورسولَهُ قد رَضيا عن أبي سفيان -بن الحارث- فارْضَوا عنه)...جهاده





ومن أولى لحظات إسلامه، راح يعوض ما فاته من حلاوة الإيمان
والعبادة، فكان عابدا ساجدا، خرج مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-فيما تلا
فتح مكة من غزوات، ويوم حنين حيث نصب المشركون للمسلمين كمينا خطيرا، وثبت
الرسول مكانه ينادي: (إلي أيها الناس، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد
المطلب)...
في تلك اللحظات الرهيبة قلة لم تذهب بصوابها المفاجأة،
وكان منهم أبوسفيان وولده جعفر، لقد كان أبوسفيان يأخذ بلجام فرس الرسول
بيسراه، يرسل السيف في نحور المشركين بيمناه، وعاد المسلمون إلى مكان
المعركة حول نبيهم، وكتب الله لهم النصر المبين، ولما انجلى غبارها، التفت
الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن يتشبت بمقود فرسه وتأمله وقال: (من
هذا؟... أخي أبو سفيان بن الحارث؟)... و ما كاد يسمع أبوسفيان كلمة أخي
حتى طار فؤاده من الفرح، فأكب على قدمي رسول الله يقبلهما...
فضله





كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أبو سفيان أخي وخير أهلي، وقد أعقبني الله من حمزه أبا سفيان بن الحارث)... فكان يُقال لأبي سفيان بعد ذلك أسد الله وأسد رسوله... كان أبو سفيان بن الحارث شاعراً ومن شعره بسبب شبهه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-...
هداني هادٍ غير نفسي ودلّني *** على اللهِ مَن طَرّدتُ كلَّ مطرّدِ
أفِرُّ وأنأى جاهِداً عن محمّدٍ *** وأُدْعى وإنْ لم أنتسِبْ بمحمّـدِ
ومن شعره يوم حُنين...
لقد عَلِمَتْ أفْناءُ كعـبٍ وعامرٍ *** غَداةَ حُنينٍ حينَ عمَّ التَّضَعْضُعُ
بأنّي أخو الهَيْجاء أركَبُ حدَّها *** أمامَ رسـول اللـه لا أتَتَعتَعُ
رجاءَ ثوابِ اللـه واللـه واسِعٌ *** إليه تعالى كلُّ أمـرٍ سَيَرْجِـعُ
ذات يوم في سنة (2 هـ) شاهده الناس في البقيع يحفر لحداً، ويسويه ويهيئه،
فلما أبدوا دهشهم مما يصنع، قال لهم: (إني أعدُّ قبري)... وبعد ثلاثة أيام
لا غير، كان راقدا في بيته، وأهله من حوله يبكون، فقال لهم: (لا تبكوا
علي، فاني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت)...


وقبل أن يحني رأسه على صدره لوَّح به إلى أعلى، ملقياً على الدنيا تحية الوداع، دفن -رضي الله عنه- في البقيع وصلّى عليه عمر ابن الخطاب[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] والمؤمنون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالأربعاء 17 مارس 2010 - 0:51

ولانا عوده


احمد المحلاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مني العمر
مشرف عام
مشرف عام
مني العمر


رقم العضوية : 3
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 1962
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 74883951
تاريخ التسجيل : 15/10/2009

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالأربعاء 17 مارس 2010 - 1:11

رضوان الله عليهم اجمعينجزاك الله خير الجزاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:13

عدنا

شكرا ليكى يا منى على ردك جزاكى الله كل خير


احمد المحلاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:23

سعد بن أبي وقاص -


أقلقت
الأنباء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما جاءته تترى بالهجمات الغادرة
التي تشنها قوات الفرس على المسلمين.. وبمعركة الجسر التي ذهب ضحيتها في
يوم واحد أربعة آلاف شهيد.. وبنقض أهل العراق عهودهم، والمواثيق التي كانت
عليهم.. فقرر أن يذهب بنفسه لبقود جيوش المسلمين، في معركة فاصلة ضد الفرس.


وركب في نفر من أصحابه مستخلفا على المدينة علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه..

ولكنه لم يكد يمضي عن المدينة حتى رأى بعض أصحابه أن يعود، وينتدب لهذه الهمة واحدا غيره من أصحابه..
وتبنّى
هذا الرأي عبد الرحمن بن عوف، معلنا أن المخاطرة بحياة أمير المؤمنين على
هذا النحو والاسلام يعيش أيامه الفاصلة، عمل غير سديد..




وأمر
عمر أن يجتمع المسلمون للشورى ونودي:_الصلاة جامعة_ واستدعي علي ابن أبي
طالب، فانتقل مع بعض أهل المدينة الى حيث كان أمير المؤمنين وأصحابه..
وانتهى الرأي الى ما نادى به عبد الرحمن بن عوف، وقرر المجتمعون أن يعود
عمر الى المدينة، وأن يختار للقاء الفرس قائدا آخر من المسلمين..


ونزل أمير المؤمنين على هذا الرأي، وعاد يسأل أصحابه:

فمن ترون أن نبعث الى العراق..؟؟

وصمتوا قليلا يفكرون..

ثم صاح عبد الرحمن بن عوف: وجدته..!!

قال عمر: فمن هو..؟

قال عبد الرحمن: "الأسد في براثنه.. سعد بن مالك الزهري.."



وأيّد المسلمون هذا الاختيار، وأرسل أمير المؤمنين الى سعد بن مالك الزهري "سعد بن أبي وقاص" وولاه امارة العراق، وقيادة الجيش..

فمن هو الأسد في براثنه..؟

من هذا الذي كان اذا قدم على الرسول وهو بين أصحابه حياه وداعبه قائلا:

"هذا خالي.. فليرني امرؤ خاله"..!!



انه سعد بن أبي وقاص.. جده أهيب بن مناف، عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لقد عانق الاسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان اسلامه مبكرا، وانه ليتحدث عن نفسه فيقول:

" .. ولقد أتى عليّ يوم، واني لثلث الاسلام"..!!

يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا الى الاسلام..



ففي
الأيام الأولى التي بدأ الرسول يتحدث فيها عن الله الأحد، وعن الدين
الجديد الذي يزف الرسول بشراه، وقبل أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من
دار الأرقم ملاذا له ولأصحابه الذين بدءوا يؤمنون به.. كان سعد ابن أبي
وقاص قد بسط يمينه الى رسول الله مبايعا..


وانّ كتب التارييخ والسّير لتحدثنا بأنه كان أحد الذين أسلموا باسلام أبي بكر وعلى يديه..

ولعله
يومئذ أعلن اسلامه مع الذين أعلنوه باقناع أبي بكر ايّاهم، وهم عثمان ابن
عفان، والزبير ابن العوّام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله.


ومع هذا لا يمنع سبقه بالاسلام سرا..

وان لسعد بن أبي وقاص لأمجاد كثيرة يستطيع أن يباهي بها ويفخر..

بيد أنه لم يتغنّ من مزاياه تلك، الا بشيئين عظيمين..

أولهما: أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأول من رمي أيضا..

وثانيهما: أنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد:

" ارم سعد فداك أبي وأمي"..



أجل كان دائما يتغنى بهاتين النعمتين الجزيلتين، ويلهج يشكر الله عليهما فيقول:

" والله اني لأوّل رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله".

ويقول علي ابن أبي طالب:

" ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا، فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي"..

كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه..



اذا رمى في الحرب عدوّا أصابه.. واذا دعا الله دعاء أجابه..!!

وكان،
وأصحابه معه، يردّون ذلك الى دعاء الرسول له.. فذات يوم وقد رأى الرسول
صلى الله عليه وسلم منه ما سرّه وقرّ عينه، دعا له هذه الدعوة المأثورة..


" اللهم سدد رميته.. وأجب دعوته".



وهكذا عرف بين اخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع، وعرف هو ذلك نفسه وأمره، فلم يكن يدعو على أحد الا مفوّضا الى الله أمره.



من ذلك ما يرويه عامر بن سعد فيقول:

" رأى سعد رجلا يسب عليا، وطلحة والزبير فنهاه، فلم ينته، فقال له: اذن أدعو عليك، فقال ارجل: أراك تتهددني كأنك نبي..!!

فانصرف
سعد وتوضأ وصلى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل
قد سبّ أقواما سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبّه ايّاهم، فاجعله
آية وعبرة..


فلم
يمض غير وقت قصير، حتى خرجت من احدى الدور ناقة نادّة لا يردّها شيء حتى
دخلت في زحام الناس، كأنها تبحث عن شيء، ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين
قوائمها.. وما زالت تتخبطه حتى مات"..


ان هذه الظاهرة، تنبىء أوّل ما تنبىء عن شفافية روحه، وصدق يقينه، وعمق اخلاصه.



وكذلكم
كان سعد، روحه حر.. ويقينه صلب.. واخلاصه عميق.. وكان دائب الاستعانة على
دعم تقواه باللقمة الحلال، فهو يرفض في اصرار عظيم كل درهم فيه اثارة من
شبهة..


ولقد
عاش سعد حتى صار من أغنياء المسلمين وأثريائهم، ويوم مات خلف وراءه ثروة
غير قليلة.. ومع هذا فاذا كانت وفرة المال وحلاله قلما يجتمعان، فقد
اجتمعا بين يدي سعد.. اذ آتاه الله الكثير، الحلال، الطيب..


وقدرته على جمع المال من الحلال الخالص، يضاهيها، قدرته في انفاقه في سبيل الله..



في حجة الوداع، كان هناك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصابه المرض، وذهب الرسول يعوده، فساله سعد قائلا:

"يا رسول الله، اني ذو مال ولا يرثني الا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي..؟

قال النبي: لا.

قلت: فبنصفه؟

قال النبي: لا.

قلت: فبثلثه..؟

قال النبي: نعم، والثلث كثير.. انك ان تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم
عالة يتكففون الناس، وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها،
حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك"..

ولم يظل سعد أبا لبنت واحدة.. فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين..




**




وكان سعد كثير البكاء من خشية الله.

وكان اذا استمع للرسول يعظهم، ويخطبهم، فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملؤ حجره..

وكان رجلا أوتي نعمة التوفيق والقبول..



ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه، رنا بصره الى الأفق في اصغاء من يتلقى همسا وسرا.. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:

" يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة"..

وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذا السعيد الموفق المحظوظ..

وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبي وقاص.

ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا اياه في الحاح أن
يدله على ما يتقرّب الى الله من عمل وعبادة، جعله أهل لهذه المثوبة، وهذه
البشرى.. فقال له سعد:

" لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد..

غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا".



هذا هو الأسد في براثنه، كما وصفه عبد الرحمن بن عوف..

وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم..

كانت كل مزاياه تتألق أما بصيرة أمير المؤمنين وهو يختاره لأصعب مهمة تواجه الاسلام والمسلمين..

انه مستجاب الدعوة.. اذا سأل الله النصر أعطاه اياه..

زانه عفّ الطعمة.. عف اللسان.. عف الضمير..

وانه واحد من أهل الجنة.. كما تنبأ له الرسول..

وانه الفارس يوم بدر. والفارس يوم أحد.. والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأخرى، لا ينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرها بين لخصائص التي
يجب أن تتوفر لكل من يتصدى لعظائم الأمور، تلك هي صلابة الايمان..



ان عمر لا ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..

يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عن سبيل الله.. فلجأت أمه الى وسيلة لم
يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه الى وثنية أهله وذويه..



لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب، حتى يعود سعد الى دين آبائه
وقومه، ومضت في تصميم مستميت تواصل اضرابها عن الطعام والسراب حتى أوشكت
على الهلاك..

كل ذلك وسعد لا يبالي، ولا يبيع ايمانه ودينه بشيء، حتى ولو يكون هذا الشيء حياةأمه..

وحين كانت تشرف على الموت، أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت..



وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..

بيد أن ايمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر، وعلى كل لاذ، فاقترب بوجهه من وجه أمه، وصاح بها لتسمعه:

" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء..

فكلي ان شئت أو لا تأكلي"..!!

وعدلت أمه عن عزمهت\ا.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد، ويؤيده فيقول:

( وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)..

أليس هو الأسد في براثنه حقا..؟؟



اذن فليغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم به الفرس
المجتمعين في أكثر من مائةألف من المقاتلين المدربين. المدججين بأخطر ما
كانت تعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح.. تقودهم أذكى عقول الحرب يومئذ،
وأدهى دهاتها..

أجل الى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة..خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لا غير..
في أيديهم رماح.. ولكن في قلوبهم ارادة الدين الجديد بكل ما تمثله من
ايمان وعنفوان، وشوق نادر وباهر الى الموت و الى الشهادة..!!

والتقى الجمعان.

ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..

وأن سعدا هناك ينتظر نصائح أمير المؤمنين عمر وتوجيهاته.. وها هو ذا كتاب
عمر اليه يأمره فيه بالمبادرة الى القادسية، فانها باب فارس ويلقي على
قلبه كلمات نور وهدى:

" يا سعد بن وهيب..

لا يغرّنّك من الله، أن قيل: خال رسول الله وصاحبه، فان الله ليس بينه
وبين أحد نسب الا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. الله
ربهم، وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر
الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث الى أن فارقنا
عليه، فالزمه، فانه الأمر."

ثم يقول له:

" اكتب اليّ بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟

وأين يكون عدوّكم منكم..

واجعلني بكتبك اليّ كأني أنظر اليكم"..!!



ويكتب سعد الى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه.

وينزل سعد القادسية، ويتجمّع الفرس جيشا وشعبا، كما لم يتجمعوا من قبل، ويتولى قيادة الفرس أشهر وأخطر قوّادهم "رستم"..



ويكتب سعد الى عمر، فيكتب اليه أمير المؤمنين:

" لا يكربنّك ما تسمع منهم، ولا ما يأتونك به، واستعن بالله، وتوكل عليه،
وابعث اليه رجالا من أهل لنظر والرأي والجلد، يدعونه الى الله.. واكتب
اليّ في كل يوم.."

ويعود سعد فيكتب لأمير المؤمنين قائلا:

" ان رستم قد عسكر ب ساباط وجرّ الخيول والفيلة وزحف علينا".

ويجيبه عمر مطمئنا مشيرا..

ان سعد الفارس الذكي المقدام، خال رسول الله، والسابق الى الاسلام، بطل
المعارك والغزوات، والذي لا ينبو له سيف، ولا يزيغ منه رمح.. يقف على رأس
جيشه في احدى معارك التاريخ الكبرى، ويقف وكأنه جندي عادي.. لا غرور
القوة، ولا صلف الزعامة، يحملانه على الركون المفرط لثقته بنفسه.. بل هو
يلجأ الى أمير المؤمنين في المدينة وبينهما أبعاد وأبعاد، فيرسل له كل يوم
كتابا، ويتبادل معه والمعركة الكبرى على وشك النشوب، المشورة والرأي...



ذلك أن سعدا يعلم أن عمر في المدينة لا يفتي وحده، ولا يقرر وحجه.. بل
يستشير الذين حوله من المسلمين ومن خيار أصحاب رسول الله.. وسعد لا يريد
برغم كل ظروف الحرب، أن يحرم نفسه، ولا أن يحرم جيشه، من بركة الشورى
وجدواها، لا سيّما حين يكون بين أقطابها عمر الملهم العظيم..




**




وينفذ سعد وصية عمر، فيرسل الى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه الى الله والى الاسلام..

ويطول الحوار بينهم وبين قائد الفرس، وأخيرا ينهون الحديث معه اذ يقول قائلهم:

" ان الله اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية الى التوحيد...
ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الحكام الى عدل الاسلام..

فمن قبل ذلك منا، قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن قاتلنا قاتلناه حتى نفضي الى وعد الله.."

ويسأل رستم: وما وعد الله الذي وعدكم اياه..؟؟

فيجيبه الصحابي:

" الجنة لشهدائنا، والظفر لأحيائنا".

ويعود لبوفد الى قائد المسلمين سعد، ليخبروه أنها الحرب..

وتمتلىء عينا سعد بالدموع..



لقد كان يود لو تأخرت المعركة قليلا، أو تقدمت قليلا.. فيومئذ كان مرضه قد
اشتد عليه وثقلت وطأته.. وملأت الدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس،
فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركة بالغة الضراوة والقسوة..!!

فلو أن المعركة جاءت قبل أن يمرض ويسقم، أولوأنها استأخرت حتى يبل ويشفى،
اذن لأبلى فيها بلاءه العظيم.. أما الآن.. ولكن، لا، فرسول الله صلى الله
عليه وسلم علمهم ألا يقول أحدهم: لو. لأن لو هذه تعني العجز، والمؤمن
القوي لا يعدم الحيلة، ولا يعجز أبدا..



عنئذ هب الأسد في براثنه ووقف في جيشه خطيبا، مستهلا خطابه بالآية الكريمة:

(بسم الله الرحمن الرحيم..

ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)..

وبعد فراغه من خطبته، صلى بالجيش صلاة الظهر، ثم استقبل جنوده مكبّرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..

ودوّى الكن وأوّب مع المكبرين، ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيرا الى العدو، وصاح في جنوده: هيا على بركة الله..



وصعد وهو متحاملا على نفسه وآلامه الى شرفة الدار التي كان ينزل بها
ويتخذها مركزا لقيادته..وفي الشرفة جلس متكئا على صدره فوق وسادة. باب
داره مفتوح.. وأقل هجوم من الفرس على الدار يسقطه في أيديهم حيا أو ميتا..
ولكنه لا يرهب ولا يخاف..

دمامله تنبح وتنزف، ولكنه عنها في شغل، فهو من الشرفة يكبر ويصيح.. ويصدر
أوامره لهؤلاء: أن تقدّموا صوب الميمنة.. ولألئك: أن سدوا ثغرات الميسرة..
أمامك يا مغيرة.. وراءهم يا جرير.. اضرب يا نعمان.. اهجم يا أشعث.. وأنت
يا قعقاع.. تقدموا يا أصحاب محمد..!!

وكان صوته المفعم بقوة العزم والأمل، يجعل من كل جندي فردا، جيشا بأسره..

وتهاوى جنود الفرس كالذباب المترنّح.ز وتهاوت معهم الوثنية وعبادة النار..!!

وطارت فلولهم المهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخيرة جنودهم، وطاردهم
كالجيش المسلم عتى نهاوند.. ثم المدائن فدخلوها ليحملوا ايوان كسرى وتاجه،
غنيمة وفيئا..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:24

وفي موقعة المدائن أبلى سعد بلاء عظيما..
وكانت
موقعة المدائن، بعد موقعة القادسية بقرابة عامين، جرت خلالهما مناوشات
مستمرة بين الفرس والمسلمين، حتى تجمعن كل فلول الجيش الفارسي ويقاياه في
المدائن نفسها، متأهبة لموقف أخير وفاصل..

وأدرك
سعد أن الوقت سيكون بجانب أعدائه. فقرر أن يسلبهم هذه المزية.. ولكن أنّى
له ذلك وبينه وبين المدائن نهر دجلة في موسم فيضانه وجيشانه..

هنا موقف يثبت فيه سعد حقا كما وصفه عبد الرحمن بن عوف الأسد في براثنه..!!
ان ايمان سعد وتصميمه ليتألقان في وجه الخطر، ويتسوّران المستحيل في استبسال عظيم..!!

وهكذا
أصدر سعد أمره الى جيشه بعبور نهر دجلة.. وأمر بالبحث عن مخاضة في النهر
تمكّن من عبور هذا النهر.. وأخيرا عثروا على مكان لا يخلو عبوره من
المخاطر البالغة..


وقبل
أن يبدأ الجيش الجيش عملية المرور فطن القائد سعد الى وجوب تأمين مكان
الوصول على الضفة الأخرى التي يرابط العطو حولها.. وعندئذ جهز كتيبتين..


الأولى: واسمها كتيبة الأهوال وأمّر سعد عليها عاصم ابنعمرو والثانية: اسمها الكتيبة الخرساء وأمّر عليها القعقاع ابن عمرو..

وكان
على جنود هاتين الكتيبتين أن يخوضوا الأهوال لكي يفسحوا على الضفة الأخرى
مكانا آمنا للجيش العابر على أثرهم.. ولقد أدوا العمل بمهارة مذهلة..


ونجحت خطة سعد يومئذ نجاحا يذهل له المؤرخون..

نجاحا أذهل سعد بن أبي وقاص نفسه..

وأذهل صاحبه ورفيقه في المعركة سلمان الفارسي الذي أخذ يضرب كفا بكف دهشة وغبطة، ويقول:

" ان الاسلام جديد..

ذلّلت والله لهم البحار، كما ذلّل لهم البرّ..

والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجا، كما دخلوه أفواحا"..!!

ولقد كان .. وكما اقتحموا نهر دجلة أفواجا، خرجوا منه أفواجا لم يخسروا جنديا واحدا، بل لم تضع منهم شكيمة فرس..

ولقد
سقط من أحد المقاتلين قدحه، فعز عليه أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي يضيع
منه شيء، فنادى في أصحابه ليعاونوه على انتشاله، ودفعته موجة عالية الى
حيث استطاع بعض العابرين التقاطه..!!

وتصف لنا احدى الروايات التاريخية، روعة المشهد وهم يعبرون دجلة، فتقول:

[أمر
سعد المسلمين أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.. ثم اقتحم بفرسه دجلة،
واقتحم الناس وراءه، لم يتخلف عنه أحد، فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه
الأرض حتى ملؤا ما بين الجانبين، ولم يعد وجه الماء يرى من أفواج الفرسان
والمشاة، وجعل الناس يتحدثون وهم يسيرون على وجه الماء كأنهم يتحدون على
وجه الأرض؛ وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والأمن، والوثوق بأمر الله
ونصره ووعيده وتأييده]..!!

ويوم ولى عمر سعدا امارة العراق، راح يبني للناس ويعمّر.. كوّف الكوفة، وأرسى قواعد الاسلام في البلاد العريضة الواسعة..

وذات يوم شكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين.. لقد غلبهم طبعهم المتمرّد، فزعموا زعمهم الضاحك، قالوا:" ان سعدا لا يحسن يصلي"..!!

ويضحك سعد من ملء فاه، ويقول:

"والله اني لأصلي بهم صلاة رسول الله.. أطيل في الركعتين الأوليين، وأقصر في الأخريين"..

ويستدعيه عمر الى المدينة، فلا يغضب، بل يلبي نداءه من فوره..

وبعد حين يعتزم عمر ارجاعه الى الكوفة، فيجيب سعد ضاحكا:

" أتأمرني أن أعود الى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة"..؟؟

ويؤثر البقاء في المدينة..
وحين
اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه، اختار من بين أصحاب
الرسول عليه الصلاة والسلام، ستة رجال، ليكون اليهم أمر الخليفة الجديد
قائلا انه اختار ستة مات رسول الله وهو عنهم راض.. وكان من بينهم سعد بن
أبي وقاص.


بل يبدو من كلمات عمر الأخيرة، أنه لو كان مختارا لخلافة واحدا من الصحابة لاختار سعدا..

فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم:

" ان وليها سعد فذاك..

وان وليه غيره فليستعن بسعد".

ويمتد العمر بسعد.. وتجيء الفتنة الكبرى، فيعتزلها بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا اليه شيئا من أخبارها..

وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه، ويذهب اليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ويقول له:

يا عم، ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.

فيجيبه سعد:

" أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا.. اذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، واذا ضربت به الكافر قطع"..!!

ويدرك ابن أخيه غرضه، ويتركه في عزلته وسلامه..

وحين انتهى الأمر لمعاوية، واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:

مالك لم تقاتل معنا..؟؟

فأجابه:

" اني مررت بريح مظلمة، فقلت: أخ .. أخ..

واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."

فقل معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى:

(وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما، فان بغت احداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله).

وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.

أجابه سعد قائلا:

" ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي".

**
وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة، وقد جاوز سعد الثمانين، كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.

ويروي لنا ولده لحظاته الأخيرة فيقول:

[ كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت وقال: ما يبكيك يا بنيّ..؟؟

ان الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة]..!!

ان صلابة ايمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله.

ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق ايمان..ز واذن ففيم الخوف..؟

[ ان الله لا يعذبني أبدا، واني من أهل الجنة].

بيد
أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه ووصله
برسوله.. ومن ثمّ فقد أشار الى خزانته ففتوحها، ثم أخرجوا منها رداء قديما
قد بلي وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا:


[ لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر، ولقد ادخرته لهذا اليوم]..!!

اجل، ان ذلك الثوب لم يعد مجرّد ثوب.. انه العلم الذي يخفق فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا، صادقا شجاعا!!

وفوق
أعناق الرجال حمل الى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة، ليأخذ مكانه في
سلام الى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه الى الله، ووجدت
أجسامهم الكادحة مرفأ لها في تراب البقيع وثراه.


**
وداعا يا سعد..!!

وداعا يا بطل القادسية، وفاتح المدائن، ومطفىء النار المعبودة في فارس الى الأبد..!!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:25

حسّان بن ثابت
شاعر الرسول


يا حسّان ! أجبْ عن رسول الله "
" اللهم أيّده بروح القُدُس
حديث شريف


حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي النجاري المدني
وكنيته أبو الوليد ، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-اشتهر
بمدحه للغساسنة والمناذرة قبل الإسلام ، وثم بعد الإسلام منافحاً عنه
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، لم يشترك بأي غزاة أو معركة
لعلّة أصابته فكان يخاف القتال


العلّة
كان حسّان بن ثابت شجاعاً لَسِناً ، فأصابته علّةٌ أحدثتْ به الجبن ، فكان
بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده ، لذلك لم يشهد مع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- مشهداً ، ولم يعبه على ذلك لعلّته


الشعر
قال أبو عبيدة فُضِّلَ حسّان بن ثابت على الشعراء بثلاث : كان شاعر
الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أيام النبوة ،
وشاعر اليمن كلّها في الإسلام )وكان يُقال له أبو الحُسَام لمناضلته عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولتقطيعه أعراض المشركين


في مدح الرسول
متى يَبْدُ في الدّاجي إليهم جبينُه
****يَلُحْ مثلَ مصباح الدُجى الموقّد
فمن كان أو مَن قد يكون كأحمد
****نظامُ لحقّ أو نكالٌ لملحد


الرسول وحسّان
مرَّ عمر بن الخطاب على حسّان وهو ينشد في مسجد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ، فانتهره عمر ، فأقبل حسّان فقال كنتَ أنشد وفيه مَن هو خيرٌ
منك )فانطلق عمر حينئذٍ ، وقال حسان لأبي هريرة أنشدك الله هل سمعتَ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يا حسّان ! أجبْ عن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ، اللهم أيّده بروح القُدُس )قال اللهم نعم )

كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت اهجهم وهاجهم
وجبريلُ معك )وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تسبّوا حسّاناً ،
فإنه ينافحُ عن الله وعن رسوله )


يوم الأحزاب
لمّا كان يوم الأحزاب ، وردّ الله المشركين بغيظهم لم ينالوا خيراً ، قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يحمي أعراض المسلمين ؟)قال كعب بن
مالك أنا )وقال عبد الله بن رواحة أنا يا رسول الله )قال إنّك
لحسنُ الشعر )
وقال حسان بن ثابت أنا يا رسول الله ) قال نعم ، اهجهم أنتَ ، وسيعينُكَ عليهم رُوح القُدُس )


وفاة الرسول
وبكى حسّان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال
بطَيْبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهد
****منيرٌ وقد تعفو الرسومُ وتَهْمُدُ
ولا تمتحي الآياتُ من دارِ حُرْمَةٍ
****بها منبر الهادي الذي كان يَصْعَدُ
وواضحُ آثارٍ وباقي معالمٍ
****ورَبعٌ له فيه مُصلّىً ومسجدُ
بها حُجُراتٌ كان ينزلُ وسْطَها
****من الله نورٌ يُستضاءُ ويوقدُ
معارفُ لم تُطمَس على العهدِ آيُها
****أتاها البِلى فالآيُ منها تجَدَّدُ
عرفتُ بها رسمَ الرسول وعهدَه
****وقبراً بها واراهُ في الترب مُلْحِدُ
*****
*****
فبورِكتَ يا قبرَ الرسولِ وبوركتَْ
****بلادٌ ثوى فيها الرشيدُ المسدد
وبوركَ لحدٌ منك ضُمِّن طيّباً
****عليه بناءٌ من صَفيحٍ منضَّدُ
تهيلُ عليه التربَ أيدٍ وأعينٌ
****عليه وقد غارت بذلك أسعُدُ
لقد غيّبوا حلماً وعِلْماً ورحمةً
****عشية عَلَّوه الثرى لا يُوسّدُ
وراحوا بحزنٍ ليس فيهم نبيّهم
****وقد وهنَتْ منهم ظهورٌ وأعضُد
يُبَكّونَ من تبكي السمواتُ يومَه
****ومن قد بكتْه الأرضُ فالناسُ أكْمد
وهل عَدَلَتْ يوماً رزيةُ هالك
****رزيةَ يومٍ ماتَ فيه محمدُ؟
*****
*****
فبكيِّ رسولَ الله يا عينُ عبرةً
****ولا أعرفنْك الدهرَ دمعُك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي
****على الناس منها سابغٌ يُتَغَمّدُ
فجودي عليه بالدموعِ وأعولي
****لفقد الذي لا مثلُه الدهرَ يوجَدُ
وما فقدَ الماضون مثلَ محمد****ولا مثلُه حتى القيامة يُفْقَدُ


وفاة حسّان
توفي حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- على الأغلب في عهد معاوية سنة ( 54 ه )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:32

{ عبد الرحمن بن عوف ما يبكيك ياأبا محمد }


ذات يوم، والمدينة ساكنة هادئة، أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف، راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق.
ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة،
فاندفعت تقترب من أبواب المدينة، وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها.
وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها، لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة.
ولم يمض وقت غير وجيز، حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع
المدينة وترجّها رجّا، ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل،
وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق..
وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد ترتمت الى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..
سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟
وأجيبت: انها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له..
قالت أم المؤمنين:
قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!
أجل يا ام المؤمنين.. انها سبعمائة راحلة..!!
وهزت أم المؤمنين رأسها، وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا، كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته، أو حديث سمعته..
"أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"..
عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟
ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟
ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة اليه، فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة، وبأكثر من صيغة.
وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته، حث خطاه الى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه..
ثم قال:
" أما اني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها، وأقتابها، وأحلاسها، في سبيل الله عز وجل"..
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في نهرجان برّ عظيم..!!
هذه الواقعة وحدها، تمثل الصورة الكاملة لحياة صاحب رسول الله عبدالرحمن بن عوف".
فهو التاجر الناجح، أكثر ما يكون النجاح وأوفاه..
وهو الثري، أكثر ما يكون الثراء وفرة وافراطا..
وهو المؤمن الأريب، الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين، ويرفض أن يتخلف به
ثراؤه عن قافلة الايمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في
سخاء وغبطة ضمير..!!
متى وكيف دخل هذا العظيم الاسلام..؟
لقد أسلم في وقت مبكر جدا..
بل أسلم في الساعات الأولى للدعوة، وقبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ويتخذها مقرا لالتقائه بأصحابه المؤمنين..
فهو أحد الثمانية الذن سبقوا الى الاسلام..
عرض عليه أبوبكر الاسلام هو وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن
عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، فما غمّ عليهم الأمر ولا أبطأ بهم الشك، بل
سارعوا مع الصدّيق الى رسول الله يبايعونه ويحملون لواءه.
ومنذ أسلم الى أن لقي ربه في الخامسة والسبعين من عمره، وهو نموذج باهر
للمؤمن العظيم، مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين
بشّرهم بالجنة.. وجعل عمر رضي الله عنه يضعه مع أصحاب الشورى الستة الذين
جعل الخلافة فيهم من بعده قائلا:" لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض".
وفور اسلام عبدالرحمن بن عوف حمل حظه المناسب، ومن اضطهاد قريش وتحدّياتها..
وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الى الحبشة هاجر ابن
عوف ثم عاد الى مكة، ثم هاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم هاجر الى
المدينة.. وشهد بدرا، وأحدا، والمشاهد كلها..
وكان محظوظا في التجارة الى حدّ أثار عجبه ودهشه فقال:
" لقد رأيتني، لو رفعت حجرا، لوجدت تحت فضة وذهبا"..!!
ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا..
بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء..
كلا..
انما كانت عملا، وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس، ومزيدا من السعي..
وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة، تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون..
فهو اذا لم يكن في المسجد يصلي، ولا في الغزو يجاهد فهو في تجارته التي
نمت نموا هائلا، حتى أخذت قوافله تفد على المدينة من مصر، ومن الشام،
محملة بكل ما تحتاج اليه جزيرة العرب من كساء وطعام..
ويدلّنا على طبيعته الجيّاشة هذه، مسلكه غداة هجر المسلمين الى المدينة..
لقد جرى نهج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بين كل اثنين من أصحابه، أحدهما مهاجر من مكة، والآخر أنصاري من المدينة.
وكانت هذه المؤاخات تم على نسق يبهر الألباب، فالأنصاري من أهل المدينة
يقاسم أخاه المهاجر كل ما يملك.. حتى فراشه، فاذا كان تزوجا باثنين طلق
احداهما، ليتزوجها أخوه..!!
ويومئذ آخى الرسول الكريم بين عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع..
ولنصغ للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يروي لنا ما حدث:
" .. وقال سعد لعبدالرحمن: أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه!!
وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلقها، وتتزوجها..!
فقال له عبدالرحمن بن عوف:
بارك الله لك في أهلك ومال..
دلوني على السوق..
وخرج الى السوق، فاشترى.. وباع.. وربح"..!!
وهكذا سارت حياته في المدينة، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
وفاته، أداء كامل لحق الدين، وعمل الدنيا.. وتجارة رابحة ناجحة، لو رفع
صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد تحته فضة وذهبا..!!
ومما جعل تجارته ناجحة مباركة، تحرّيه الحلال، ونأيه الشديد عن الحرام، بل عن الشبهات..
كذلك مما زادها نجاخا وبركة أنها لم تكن لعبدالرحمن وحده.. بل كان لله
فيها نصيب أوفى، يصل به أهله، واخوانه، ويجهّز به جيوش الاسلام..
واذا كانت التجارة والثروات، انما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة
عبدالرحمن بن عوف انما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل
الله رب العالمين..!!
لقد سمع رسول الله يقول له يوما:
" يا بن عوف انك من الأغنياء..
وانك ستدخل الجنة حبوا..
فأقرض الله يطلق لك قدميك"..
ومن سمع هذا النصح من رسول الله، وهو يقرض ربه قرضا حسنا، فيضاعفه له أضعافا كثيرة.
باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار، ثم فرّقها في أهله من بني زهرة، وعلى أمهات المؤمنين، وفقراء المسلمين.
وقدّم يوما لجيوش الاسلام خمسمائة فرس، ويوما آخر الفا وخمسمائة راحلة.
وعند موته، أوصى بخمسن ألف دينار في سبيل الله، وأ،صى لكل من بقي ممن
شهدوا بدرا بأربعمائة دينار، حتى ان عثمان بن عفان رضي الله عنه، أخذ
نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال:" ان مال عبدالرحمن حلال صفو، وان الطعمة
منه عافية وبركة".
كان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده..
وآية ذلك أنه لم يكن يشقى بجمعه ولا باكتنازه..
بل هو يجمعه هونا، ومن حلال.. ثم لا ينعم به وحده.. بل ينعم به معه أهله ورحمه واخوانه ومجتمعه كله.
ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:
" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله.
" ثلث يقرضهم..
وثلث يقضي عنهم ديونهم..
وثلث يصلهم ويعطيهم.."
ولم يكن ثراؤه هذا ليبعث الارتياح لديه والغبطة في نفسه، لو لم يمكّنه من مناصرة دينه، ومعاونة اخوانه.
أما بعد هذا، فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء..
جيء له يوما بطعام الافطار، وكان صائما..
فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال:
" استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفّن في بردة ان غطت رأسه، بدت رجلاه، وان غطت رجلاه بدا رأسه.
واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يدفن فيه الا بردة.
ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وأعطينا منها ما أعطينا واني لأخشى أن نكون قد عجّلت لنا حسناتنا"..!!
واجتمع يوما مع بعض أصحابه على طعام عنده.
وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى وسألوه:
ما يبكيك يا أبا محمد..؟؟
قال:
" لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير..
ما أرانا أخرنا لم هو خير لنا"..!!
كذلك لم يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكبر في نفسه..
حتى لقد قيل عنه: انه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أ، يميزه من بينهم..!!
لكن اذا كان هذا الغريب يعرف طرفا من جهاد ابن عوف وبلائه، فيعرف مثلا أنه
أصيب يوم أحد بعشرين جراحة، وان احدى هذه الاصابات تركت عرجا دائما في
احدى ساقيه.. كما سقطت يوم أحد بعض ثناياه. فتركت همّا واضحا في نطقه
وحديثه..

عندئذ لا غير، يستطيع هذا الغريب أن يعرف أن هذا الرجل الفارع القامة،
المضيء الوجه، الرقيق البشرة، الأعرج، الأهتم من جراء اصابته يوم أحد هو
عبدالرحمن بن عوف..!!

رضي الله عنه وأرضاه..
لقد عوّدتنا طبائع البشر أن الثراء ينادي السلطة...
أي أن الأثرياء يحبون دائما أن يكون لهم نفوذ يحمي ثراءهم ويضاعفه، ويشبع شهوة الصلف والاستعلاء والأنانية التي يثيرها الثراء عادة..
فاذا رأينا عبدالرحمن بن عوف في ثرائه العريض هذا، رأينا انسانا عجبا يقهر طبائع البشر في هذا المجال ويتخطاها الى سموّ فريد..!
حدث ذلك عندما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجود بروحه الطاهرة، ويختار
ستة رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليختاروا من بينهم
الخليفة الجديد..
كانت الأصابع تومئ نحو ابن عوف وتشير..
ولقد فاتحه بعض الصحابة في أنه أحق الستة بالخلافة، فقال:
" والله، لأن تؤخذ مدية، فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها الى الجانب الآخر أحب اليّ من ذلك"..!!
وهكذا لم يكد الستة المختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد
الفاروق عمر حتى أنبأ اخوانه الخمسة الآخرين أنه متنازل عن الحق الذي
أضفاه عمر عليه حين جعله أحد الستة الذين يختار الخليفة منهم.. وأنّ عليهم
أن يجروا عملية الاختيار بينهم وحدهم أي بين الخمسة الآخرين..
وسرعان ما أحله هذا الزهد في المنصب مكان الحكم بين الخمسة الأجلاء، فرضوا أن يختار هو الخليفة من بينهم، وقال الامام علي:
" لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض"..
واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلافة، فأمضى الباقون اختياره.
هذه حقيقة رجل ثري في الاسلام..
فهل رأيتم ما صنع الاسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته، وكيف صاغه في أحسن تقويم..؟؟
وها هو ذا في العام الثاني والثلاثين للهجرة، يجود بأنفاسه..
وتريد أم المؤمنين عائشة أن تخصّه بشرف لم تختصّ به سواه، فتعرض عليه وهو
على فراش الموت أن يدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر..
ولكنه مسلم أحسن الاسلام تأديبه، فيستحي أن يرفع نفسه الى هذا الجوار...!!
ثم انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون، اذ تواثقا ذات يوم: أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه..
وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمع ولسانه يتمتم ويقول:
" اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال"..
ولكن سكينة الله سرعان ما تغشته، فكست وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة..
وأرهفت أذناه للسمع.. كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما..
لعله آنئذ، كان يسمع صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم له منذ عهد بعيد:
" عبدالرحمن بن عوف في الجنة"..
ولعله كان يسمع أيضا وعد الله في كتابه..
( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:34

( أبو عبيدة بن الجرّاح - أمين هذه الأمة )

من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:
" ان لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"..؟
من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا اعمرو بن العاص، وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟
من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بأمير الأمراء..؟؟
من هذا الطويل القامة النحيف الجسم، المعروق الوجه، الخفيف اللحية، الأثرم، ساقط الثنيتين..؟؟
أجل من هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:
" لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سالني ربي عنه قلت: استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله"..؟؟
انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح..
أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام ، قبل
أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم، وهاجر الى الحبشة في الهجرة
الثانية، ثم عاد منها ليقف الى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقيّة المشاهد
جميعها، ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
في صحبة خليفته أبي بكر، ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر، نابذا الدنيا وراء
ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد، وتقوى، وصمود وأمانة.
عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في
سبيل الله ، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث ، في
سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل
وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايّامه وفي حياته
كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا
يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك
ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه
عليه،وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:

" أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح".
ان أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحسّ من
سير المعركة حرص المشركين، لا على احراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون
ذلك ، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن
يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..
ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى اله
عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما
الى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق..
وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من
موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردّهم على أعقابهم
قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!
وفي احدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة
من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله
، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي ،
وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرّقهم عنه، وطار صواب
رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم
بيمينه وهو يقول:
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، وهو يدعهم الى ربهم"..؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخانا في وجنتي
النبي، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من
وجنة الرسول، فسقطت ثنيّة، ثم نزع الحلقة الأخرى، فسقطت ثنيّة الثانية..
وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصدسق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:
" لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته
حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانسان
قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت : اللهم اجعله طاعة، حتى اذا
توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح
قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم..
فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..
ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة
وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة،
والسفر بعيد، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده
يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تمر ، حتى اذا أوشك
التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد الى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر
جميعا راحوا يتصيّدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيّهم، فيسحقونه ويشربون عليه
الماء .. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم الا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...
ويوم جاء وفد نجلان من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام، قال لهم رسول الله:
" لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم
لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من
حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ما أحببت الامارة قط ، حبّي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى
الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم
نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..
فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج
معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!
ان هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..
انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية، وهذا التقدير الكريم..
ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها..
وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة
الرسول أمينا.. بحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها
جميعا..
ولقد سار تحت راية الاسلام ، جنديّا، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة
الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..
لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر،
وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتمّ القائد خالد
فتحه العظيم..
وآنئذ، تقدّم اليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:
" يرحمك الله يا أبا عبيدة. ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟
فيجيبه أمين الأمة:
" اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله اخوة".!!!
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..
فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..
وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، وأناته..
" يا أيها الناس..
اني مسلم من قريش..
وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه"..ّّ
حيّاك الله يا أبا عبيدة..
وحيّا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..
مسلم من قريش، لا أقل ولا أكثر.
الدين: الاسلام..
والقبيلة: قريش.
هذه لا غير هويته..
أما هو كأمير الأمراء ، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا، وأشدّها بأسا، وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام،أمره مطاع ومشيئته نافذة..
كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام، ويسأل مستقبليه:
أين أخي..؟
فيقولون من..؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه الى داره، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد الا سيفه، وترسه ورحله..
ويسأله عمر وهو يبتسم:
" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"..؟
فيجيبه أبو عبيدة:
" يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل"..!!
وذات يوم ، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤون عالمه المسلم الواسع ، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..
وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام..
ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت الا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان..
وهناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقرا لروح خير، ونفس مطمئنة..
وسواء عليه، وعليك، أن يكون قبره اليوم معروف أو غير معروف..
فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون بحاجة الى من يقودك اليه..
ذلك أن عبير رفاته، سيدلك عليه..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:35

(جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي، وخلقي)


انظروا جلال شبابه..
انظروا نضارة اهابه..
انظروا أناته وحلمه، حدبه، وبرّه، تواضعه وتقاه..
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف.. وجوده الذي لايخاف الفقر..
انظروا طهره وعفته..
انظروا صدقه وأمانته...
انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن، والفضيلة، والعظمة، ثم لا تعجبوا، فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول خلقا، وخلقا..
أنتم أمام من كنّاه الرسول ب أبي المساكين..
أنت تجاه من لقبه الرسول ب ذي الجناحين..
أنتم تلقاء طائر الجنة الغريد، جعفر بن أبي طالب..!! عظيم من عظماء الرعيل الأول الذين أسهموا أعظم اسهام في صوغ ضمير الحياة..!!
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما، آخذا مكانه العالي بين المؤمنين المبكرين..
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس..
وحملا نصيبهما من الأذى ومن الاضطهاد في شجاعة وغبطة..
فلما
اختار الرسول لأصحابه الهجرة الى الحبشة، خرج جعفر وزوجه حيث لبيا بها
سنين عددا، رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة محمد، وعبد الله، وعوف...

وفي الحبشة كان جعفر بن أبي طالب المتحدث اللبق، الموفق باسم الاسلام ورسوله..
ذلك أن الله أنعم عليه فيما أنعم، بذكاء القلب، واشراق العقل، وفطنة النفس، وفصاحة اللسان..
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد.. أروع أيامه وأمجاده وأخلدها..
فان يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحيشة، لن يقلّ روعة ولا بهاء، ولا مجدا..
لقد كان يوما فذّا، ومشهدا عجبا...
وذلك
أن قريشا لم يهدئ من ثورتها، ولم يذهب من غيظها، ولم يقلل كم أحقادها،
هجرة المسلمين الى الحبشة، بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم، ويتكاثر طمعهم..
وحتى اذا لم تواتيهم فرصة التكاثر والقوّة، فقد عز على كبريائها أن ينجو
هؤلاء من نقمتها، ويفلتوا من قبضتها.. يظلوا هناك في مهاجرهم أملا رحبا
تهتز له نفس الرسول، وينشرح له صدر الاسلام..

هنالك
قرر ساداتها ارسال مبعوثين الى النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة،
ويحملان رجاءهما في أن يخرج هؤلاء الذين جاؤوا اليها لائذين ومستجيرين...

وكان هذان المبعوثان: عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وكانا لم يسلما بعد...
كان
النجاشي الذي كان يجلس أيامئذ على عرش الحبشة، رجلا يحمل ايمانا مستنيرا..
وكان في قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية، بعيدة عن الانحراف، نائية
عن التعصب والانغلاق...

وكان ذكره يسبقه.. وسيرته العادلة، تنشر عبيرها في كل مكان تبلغه..
من أجل هذا، اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه..
ومن
أجل هذا، خافت قريش ألا تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة
للأساقفة، وكبار رجال الكنيسة هناك، وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاألا يقابلا
النجاشي حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولا، وحتى يقنعاهم بوجهة نظرهما،
ليكونوا لهم عونا عند النجاشي.

وحطّ
الرسولان رحالهما بالحبشة، وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة، ونثرا بين
أيديهم الهدايا التي حملاها اليهم.. ثم أرسلا للنجاشي هداياه..

ومضيا
يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين، ويستنجدان بهم لحمل
النجاشي، ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها.



وفي
وقار مهيب، وتواضع جليل، جلس النجاشي على كرسيه العالي، تحفّ به الأساقفة
ورجال الحاشية، وجلس أمامه في البهو الفسيح، المسلمون المهاجرون، تغشاهم
سكينة الله، وتظلهم رحمته.. ووقف مبعوثا قريش يكرران الاتهام الذي سبق أن
ردّداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذا الاجتماع الحاشد
الكبير:

"
أيها الملك.. انه قد ضوى لك الى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم
يدخلوا في دينك، بل جاؤوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا
اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، أعمامهم، وعشائرهم، لتردّهم اليهم"...

وولّى النجاشي وجهه شطر المسلمين، ملقيا عليهم سؤاله:
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، واستغنيتم به عن ديننا"..؟؟
ونهض جعفر قائما.. ليؤدي المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ابّان تشاورهم، وقبل مجيئهم الى هذا الاجتماع..
نهض جعفر في تؤدة وجلال، وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارهم وقال:


" يا أيها الملك..
كنا
قوما أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع
الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله الينا رسولا
منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا الى الله لنوحّده ونعبده،
ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان..

وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء..
ونهانا
عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.. فصدّقناه
وآمنّا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به
شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فغدا علينا قومنا،
فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا الى عبادة الأوثان، والى ما كنّا عليه
من الخبائث..

فلما قهرونا، وظلمونا، وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا الى بلادك ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك"...
ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر، فملأت نفس النجاشي احساسا وروعة، والتفت الى جعفر وساله:
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيء"..؟
قال جعفر: نعم..
قال النجاشي: فاقرأه علي..
ومضى حعفر يتلو لآيات من سورة مريم، في أداء عذب، وخشوع فبكى النجاشي، وبكى معه أساقفته جميعا..
ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة، التفت الى مبعوثي قريش، وقال:
" ان هذا، والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة..
انطلقا فلا والله، لا أسلمهم اليكما"..!!
انفضّ الجميع، وقد نصر الله عباده وآزرهم، في حين رزئ مندوبا قريش بهزيمة منكرة..

لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة، لا يتجرّع الهزيمة، ولا يذعن لليأس..
وهكذا لم يكد يعود مع صاحبه الى نزلهما، حتى ذهب يفكّر ويدبّر، وقال لزميله:
" والله لأرجعنّ للنجاشي غدا، ولآتينّه عنهم بما يستأصل خضراءهم"..
وأجابه صاحبه: " لا تفعل، فان لهم أرحاما، وان كانوا قد خالفونا"..
قال عمرو: " والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، كبقية العباد"..
هذه
اذن هي المكيدة الجديدة الجديدة التي دبّرها مبعوث قريش للمسلمين كي
يلجئهم الى الزاوية الحادة، ويضعهم بين شقّي الرحى، فان هم قالوا عيسى عبد
من عباد الله، حرّكوا ضدهم مضان وشكوك الملك والأساقفة.. وان هم نفوا عنه
البشرية خرجوا عن دينهم...!!

وفي الغداة أغدا السير الى مقابلة الملك، وقال له عمرو:

" أيها الملك: انهم ليقولون في عيسى قولا عظيما".
واضطرب الأساقفة..
واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة..
ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح..
وعلم المسلمون بالمؤامرة الجديدة، فجلسوا يتشاورون..
ثم اتفقوا على أن يقولوا الحق الذي سمعوه من نبيهم عليه الصلاة والسلام، لايحيدون عنه قيد شعرة، وليكن ما يكن..!!
وانعقد الاجتماع من جديد، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر:
"ماذا تقولون في عيسى"..؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال:
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه"..
فهتف النجاشي مصدّقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح عن نفسه..
لكنّ صفوف الأساقفة ضجّت بما يشبه النكير..
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين:
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبّكم أو آذاكم، فعليه غرم ما يفعل"..
ثم التفت صوب حاشيته، وقال وسبّابته تشير الى مبعوثي قريش:
" ردّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها...
فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه"...!!
وخرج مبعوثا قريش مخذولين، حيث وليّا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين اليها...
!!
وخرج
المسلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة، لابثين فيها كما
قالوا:" بخير دار.. مع خير جار.." حتى يأذن الله لهم بالعودة الى رسولهم
واخوانهم وديارهم...
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفل مع المسلمين بفتح خيبر حين طلع
عليهم قادما من الحبشة جعفر بن أبي طالب ومعه من كانوا لا يزالون في
الحبشة من المهاجرين..
وأفعم قلب الرسول عليه الصلاة والسلام بمقدمه غبطة، وسعادة وبشرا..
وعانقه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
" لا أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر.. أم بقدوم جعفر..".
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الى مكة، حيث اعتمروا عمرة
القضاء، وعادوا الى المدينة، وقد امتلأت نفس جعفر روعة بما سمع من انباء
اخوانه المؤمنين الذين خاضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر،
وأحد.. وغيرهما من المشاهد والمغازي.. وفاضت عيناه بالدمع على الذين صدقوا
ما عاهدوا الله عليه، وقضوا نحبهم شهداء أبرار..
وطار فؤداه شوقا الى الجنة، وأخذ يتحيّن فرصة الشهادة ويترقب لحظتها المجيدة..!!
وكانت غزوة مؤتة التي أسلفنا الحديث عنها، تتحرّك راياتها في الأفق متأهبة للزحف، وللمسير..
ورأى جعفر في هذه الغزوة فرصة العمر، فامّا أن يحقق فيها نصرا كبيرا لدين الله، واما أن يظفر باستشهاد عظيم في سبيل الله..
وتقدّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا..
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة.. بل ولا حربا صغيرة، انما هي
حرب لم يخض الاسلام منها من قبل.. حرب مع جيوش امبراطورية عريضة باذخة،
تملك من العتاد والأعداد، والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين
به، ومع هذا طار شوقا اليها، وكان ثالث ثلاثة جعلهم رسول الله قواد الجيش
وأمراءه..
وخرج الجيش وخرج جعفر معه..
والتقى الجمعان في يوم رهيب..
وبينما كان من حق جعفر أن تأخذ الرهبة عنده عندما بصر جيش الروم ينتظم
مائتي ألف مقاتل، فانه على العكس، أخذته نشوة عارمة اذا احسّ في أنفه
المؤمن العزيز، واعتداد البطل المقتدر أنه سيقاتل أكفاء له وأندادا..!!
وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين زيد بن حارثة، حتى تلقاها جعفر
باليمين ومضى يقاتل بها في اقدام خارق.. اقدام رجل لا يبحث عن النصر، بل
عن الشهادة...
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم، ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل..
وراح يصوب سيفه ويسدده الى نحور أعدائه كنقمة القدر.. ولمح واحدا من
الأعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها، فعز عليه أن يمتطي صهوتها هذا الرجس،
فبسط نحوها سيفه، وعقرها..!!
وانطلق وسط الصفوف المتكالبة عليه يدمدم كالاعثار، وصوته يتعالى بهذا الزجر المتوهج:
يا حبّذا الجنة واقترابها طيّبة، وبارد شرابها
والروم روم، قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ اذا لاقيتها ضرابها
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل، وكانه جيش لجب..
وأحاطوا به في اصرار مجنون على قتله.. وحوصر بهم حصارا لا منفذ فيه لنجاة..
وضربوا بالسيوف يمينه، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله.. وضربوها هي الأخرى، فاحتضن الراية بعضديه..
في هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته في ألا يدع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حيّ..
وحين تكّومت جثته الطاهرة، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه،
ونادت خفقاتها عبدالله بن رواحة فشق الصفوف كالسهم نحوها، واخذها في قوة،
ومضى بها الى مصير عظيم..!!
وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر..!!
وهكذا لقي الكبير المتعال، مضمّخا بفدائيته، مدثرا ببطولاته..
وأنبأ العليم الخبير رسوله بمصير المعركة، وبمصير جعفر، فاستودعه الله، وبكى..
وقام الى بيت ابن عمّه، ودعا بأطفاله وبنيه، فشمّمهم، وقبّلهم، وذرفت عيناه..
ثم عاد الى مجلسه، وأصحابه حافون به. ووقف شاعرالاسلام حسّان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه:

غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم
الى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم
أبيّ اذا سيم الظلامة مجسر
فطاعن حتى مال غير موسد
لمعترك فيه القنا يتكسّر
فصار مع المستشهدين ثوابه
جنان، ومتلف الحدائق أخضر
وكنّا نرى في جعفر من محمد
وفاء وأمرا حازما حين يأمر
فما زال في الاسلام من آل هاشم
دعائم عز لا يزلن ومفخر

وينهض بعد حسّان، كعب بن مالك، فيرسل شعره الجزل :

وجدا على النفر الذين تتابعوا
يوما بمؤتة، أسندوا لم ينقلوا
صلى الاله عليهم من فتية
وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للاله نفوسهم
حذر الردى، ومخافة أن ينكلوا
اذ يهتدون بجعفر ولواؤه
قدّام أولهم، فنعم الأول
حتى تفرّجت الصفوف وجعفر
حيث التقى وعث الصفوف مجدّل
فتغير القمر المنير لفقده
والشمس قد كسفت، وكادت تأفل

وذهب المساكين جميعهم يبكون أباهم، فقد كان جعفر رضي الله عنه أبا المساكين..
يقول أبو هريرة:
" كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب"...
أجل كان أجود الناس بماله وهو حيّ.. فلما جاء أجله أبى الا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحيته..
يقول عبدالله بن عمر:
" كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسناه، فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بين رمية وطعنة"..!!
بضع وتسعون طعنة سيف ورمية رمح..؟؟!!
ومع هذا، فهل نال القتلة من روحه ومن مصيره منالا..؟؟
أبدا.. وما كانت سيوفهم ورماحهم سوى جسر عبر عليه الشهيد المجيد الى جوار الله الأعلى الرحيم، حيث نزل في رحابه مكانا عليّا..
انه هنالك في جنان الخلد، يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح..
وان شئتم، فاسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رأيته في الجنّة.. له جناحان مضرّجان بالدماء.. مصبوغ القوادم"...!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:36

( زيد بن الخطاب - صقر يوم اليمامة )

جلس
النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث
يجري، أطرق الرسول لحظات، ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:
" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..
وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين، يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا
هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن
يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير، وقضوا نحبهم شهداء
في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال ابن عنفوة.
ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ
له جفن، وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ
الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب، وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا، ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما، ولما
تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة
الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار أهل
اليمامة والتفافهم حول مسيلمة، واقترح على الدّيق أن يكون مبعوثه اليهم
يثبّتهم على الاسلام، فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم
الغالبون، فحدّثته نفسه الغتدرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة
الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية، فترك الاسلام، وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي
سخا عليه بالوعود.
وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك، لأنه استغلّ اسلامه السابق، والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول
، وحفظه لآيات كثيرة من القرآن ، وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين ..
استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم : انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه
وسلم قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده، هو مسيلمة..!!
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال
هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة، فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ
الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا، والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي
سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا، وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق
ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!

زيد بن الخطّاب..؟
لا بد أنكم عرفتموه..
انه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر، والأسبق..
جاء الحياة قبل عمر، فكان أكبر منه سنا..
وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.
وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا، ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزوة.
وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن الشهادة..!
يوم أحد ، حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..
وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب، وقد سقط درعه عنه، وأصبح أدنى منالا للأعداء ، فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..
فأجابه زيد:
" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!
وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة، واستبسال عظيم.

قلنا انه رضي الله عنه، كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون
الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد، لم يكن
مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا، وصوليا.
لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة، ونفاق بغيض هزيل.
وزيد في بغضه النفاق والكذب، كأخيه عمر تماما..!
كلاهما لا يثير اشمئزازه، ولا يستجس بغضاءه، مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة، والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة، لعب الرّجّال دوره الآثم، فأربى عدد
الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا ، وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت
والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..
أضلّها أولا، وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة
زيّنتها له نفسه، وزخرفها له هواه ، ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته
المؤمنة بمحق هذه الفتنة، لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر منه
خطرا، وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.
وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام ، ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟
الى زيد بن الخطّاب.
وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..
ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين، وسقط منهم شهداء كثيرون.
ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين ، فعلا ربوة هناك، وصاح في اخوانه :
" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوّكم، وامضوا قدما.. والله
لا أتكلم حتى يهزمهم الله، أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!
ونزل من فوق الربوة، عاضّا على أضراسه، زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.
وتذكّر مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال، فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم، باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..
وهناك راح يأتيه من يمين ، ومن شمال ، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه
وأخفاه ، غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج الى السطح من جديد، فيقترب منه زيد
ويبسط اليه سيفه، ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى،
فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه، ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا، وكذبا، وخسّة..
وبسقوط الأكذوبة ، أخذ عالمها كله يتساقط ، فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في
روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار
في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم، وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!
وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..
وغدا سيقط المحكم ، وبعد غد مسيلمة..!!
هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون ، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا سيفه، وغير عابئ بجراحه..
حتى الذين كانوا على شفا الموت، لا يصلهم بالحياة سوى بقية من رمق غارب،
مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل، فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها الى
الحياة ليقاتلو، وليشهدوا النصر في روعة ختامه..
ولكن أنّى لهم هذا، وقد تفتحت أبواب الجنّة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!
رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربّه، شاكرا نعمته..
ثم عاد الى سيفه والى صمته، فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت المعركة تمضي لا لحرب المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..
هنالك وقد رأى زيد رياح النور مقبلة، لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام ، فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا،وعزمه اصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا: صعد شهيدا..
صعد عظيما، ممجّدا، سعيدا..
وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..
وبينما كان عمر، يستقبل مع الخليفة أبي بكر أولئك العائدين الظافرين، راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..
وكان زيد طويل بائن الطول، ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يجهد بصره، اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..
وقال عمر:
" رحم الله زيدا..
سبقني الى الحسنيين..
أسلم قبلي..
واستشهد قبلي".

وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم ، فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..
ودائما كان يقول:
" ما هبّت الصبا، الا وجدت منها ريح زيد".
أجل..
ان الصبا لتحمل ريح زيد، وعبير شمائله المتفوقة..
ولكن ، اذا اذن أمير المؤمنين ، أضفت لعبارته الجليلة هذه ، كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.
تلك هي:
" .. وما هبّت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"

بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..
بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا، واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:38

{ خالد بن سعيد - فدائيّ، من الرعيل الأول }

في بيت وارف النعمة، مزهو بالسيادة، ولأب له في قريش صدارة وزعامة ، ولد
خالد بن سعيد بن العاص ، وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا: ابن اميّة بن عبد
شمس بن عبد مناف..
ويوم بدأت خيوط النور تسري في أنحاء مكة على استحياء، هامسة بأن محمدا
الأمين يتحدث عن وحي جاءه في غار حراء، وعن رسالة تلقاها من الله ليبلغها
الى عباده ، كان قلب خالد يلقي للنور الهامس سمعه وهو شهيد..!!
وطارت نفسه فرحا ، كأنما كان وهذه الرسالة على موعد.. وأخذ يتابع خيوط
النور في سيرها ومسراها.. وكلما سمع ملأ من قومه يتحدثون عن الدين الجديد،
جلس اليهم وأصغى في حبور مكتوم ، وبين الحين والحين يطعّم الحديث بكلمة
منه، أو كلمات تدفعه في طريق الذيوع، والتأثير، والإيحاء..!
كان الذي يراه أنئذ ، يبصر شابا هادئ السمت ، ذكيّ الصمت ، بينما هو في
باطنه وداخله ، مهرجان حافل بالحركة والفرح.. فيه طبول تدق.. ورايات
ترتفع.. وأبواق تدوّي.. وأناشيد تصلي.. وأغاريد تسبّح..
عيد بكل جمال العيد ، وبهجة العيد وحماسة العيد، وضجة العيد..!!!
وكان الغناء يطوي علىهذا العيد الكبير صدره، ويكتم سرّه ، فان أباه لو علم
أنه يحمل في سريرته كل هذه الحفاوة بدعوة محمد ، لأزهق حياته قربانا لآلهة
عبد مناف..!!
ولكن أنفسنا الباطنة حين تفعم بأمر ، ويبلغ منها حدّ الامتلاء فانها لا تملك لافاضته دفعا..
وذات يوم..
ولكن لا.. فان النهار لم يطلع بعد ، وخالد ما زال في نومه اليقظان ، يعالج رؤيا شديدة الوطأة ، حادة التأثير ، نفاذة العبير..
نقول اذن : ذات ليلة ، رأى خالد بن سعيد في نومه أنه واقف على شفير نار
عظيمة ، وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه ، ويريد أن يطرحه فيها ، ثم رأى
رسول الله يقبل عليه ، ويجذبه بيمينه المباركة من ازاره فيأخذه بعيدا عن
النار واللهب..
ويصحو من نومه مزوّدا بخطة العمل في يومه الجديد ، فيسارع من فوره الى دار
أبي بكر ، ويقصّ عليه الرؤيا.. وما كانت الرؤيا بحاجة الى تعبير..
وقال له أبو بكر:
" انه الخير أريد لك.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه ، فان الااسلام حاجزك عن النار".
وينطلق خالد باحثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يهتدي الى مكانه فيلقاه ، ويسأل النبي عن دعوته ، فيجيبه عليه السلام:
" تؤمن بالله وحده ، ولا تشرك به شيئا..
وتؤمن بمحمد عبده ورسوله.. وتخلع عبادة الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ، ولا تضر ولا تنفع"..
ويبسط خالد يمينه ، فتلقاها يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفاوة، ويقول خالد:
" اني أشهد أن لا اله الا الله...
وأشهد أن محمدا رسول الله"..!!
وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها..
ينطلق المهرجان كله الذي كان في باطنه.. ويبلغ النبأ أباه.
يوم أسلم سعيد ، لم يكن قد سبقه الى الاسلام سوى اربعة أو خمسة ، فهو اذن من الخمسة الأوائل المبكرين الى الاسلام.
وحين يباكر بالاسلام واحد من ولد سعيد بن العاص ، فان ذلك في رأي سعيد ،
عمل يعرّضه للسخرية والهوان من قريش ، ويهز الأرض تحت زعامته.
وهكذا دعا اليه خالد ، وقال له :" أصحيح أنك اتبعت محمدا وأنت تسمعه يسب آلهتنا"..؟؟
قال خالد: " انه والله لصادق..
ولقد آمنت به واتبعته"..
هنالك انهال عليه أبوه ضربا ، ثم زجّ به في غرفة مظلمة من داره، حيث صار حبيسها ، ثم راح يضنيه ويرهقه جوعا وظنكا..
وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب المغلق عليه :
" والله انه لصادق، واني به لمؤمن".
وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر لا يكفي ، فخرج به الى رمضاء مكة، حيث
دسّه بين حجارتها الثقيلة الفادحة الملتهبة ثلاثة أيام لا يواريه فيها
ظل..!!
ولا يبلل شفتيه قطرة ماء..!!
ويئس الوالد من ولده ، فعاد به الى داره ، وراح يغريه ، ويرهبه.. يعده ، ويتوعّده.. وخالد صامد كالحق ، يقول لأبيه :
" لن أدع الاسلام لشيء، وسأحيا به وأموت عليه"..
وصاح سعيد:
" اذن فاذهب عني ، فواللات لأمنعنّك القوت"..
وأجابه خالد:
".. والله خير الرازقين"..!!
وغادر الدار التي تعجّ بالرغد ، من مطعم وملبس وراحة..
غادرها الى الخصاصة والحرمان..
ولكن أي بأس..؟؟
أليس ايمانه معه..؟؟
ألم يحتفظ بكل سيادة ضميره ، وبكل حقه في مصيره..؟؟
ما الجوع اذن ، وما الحرمان ، وما العذاب..؟؟
واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الحق الذي يدعو اليه محمد رسول الله
، فهل بقي في العالم كله شيء ثمين لم يمتلكه من ربح نفسه في صفقة ، الله
صاحبها وواهبها...؟؟
وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية ، ويتفوق على الحرمان بالايمان..
وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المؤمنين بالهجرة الثانية الى الحبشة ، كان خالد بن سعيد، ممن شدّوا رحالهم اليها..
ويمكث خالد هناك الى ما شاء الله ان يمكث ، ثم يعود مع اخوانه راجعين الى
بلادهم ، سنة سبع ، فيجدون المسلمين قد فرغوا لتوهم من فتح خيبر..
ويقيم خالد بالمدينة وسط المجتمع المسلم الجديد الذي كان أحد الخمسة
الأوائل الذين شهدوا ميلاده ، وأسسوا بناءه ، ولا يغزو النبي غزوة ، ولا
يشهد مشهدا ، الا وخالد بن سعيد من السابقين..
وكان خالد بسبقه الى الاسلام ، وباستقامة ضميره ونهجه موضع الحب والتكريم..
كان يحترم اقتناعه فلا يزيفه ولا يضعه موضع المساومة.
قبل وفاة الرسول جعله عليه السلام واليا على اليمن..
ولما ترامت اليه أنباء استخلاف أبي بكر ، ومبايعته غادر عمله قادما الى المدينة..
وكانه يعرف لأبي بكر الفضل الذي لا يطاول..
بيد أنه كان يرى أن أحق المسلمين بالخلافة واحد من بين هاشم :
العباس مثلا ، أو عليّ ابن أبي طالب..
ووقف الى جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر..
وظل أبو بكر على حبه له ، وتقديره اياه لا يكرهه على أن يبايع ، ولا يكرهه
لأنه لم يبايع ، ولا يأتي ذكره بين المسلمين الا أطراه الخليفة العظيم ،
وأثنى عليه بما هو أهله..
ثم تغيّر اقتناع خالد بن سعيد ، فاذا هو يشق الصفوف في المسجد يوما وأبو بكر فوق المنبر ، فيبايعه بيعة صادقة وثقى..
ويسيّر أبا بكر جيوشه الى الشام ، ويعقد لخالد بن سعيد لواء، فيصير أحد أمراء الجيش..
ولكن يحدث قبل أن تتحرك القوات من المدينة أن يعارض عمر في امارة خالد بن
سعيد ، ويظل يلح على الخليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد..
ويبلغ النبأ خالد ، فلا يزيد على قول :
" والله ما سرّتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم"..!!
ويخفّ الصدّيق رضي الله عنه الى دار خالد معتذرا له ، ومفسرا له موقفه
الجديد ، ويسأله مع من من القوّاد والأمراء يجب أن يكون : مع عمرو بن
العاص وهو ابن عمه ، أم مع شرحبيل بن حسنة؟
فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها:
" ابن عمّي أحبّ اليّ في قرابته ، وشرحبيل أحبّ في أحبّ اليّ في دينه"..
ثم اختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة..
ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أن يتحرّك الجيش ، وقال له :
" انظر خالد بن سعيد ، فاعرف له من الحق عليك ، مثل ما كنت تحبّ أن يعرف من الحق لك ، لو كنت مكانه ، وكن مكانك..
انك لتعرف مكانته في الاسلام..
وتعلم أن رسول الله توفى وهو له وال..
ولقد كنت وليه ثم رأيت غير ذلك..
وعسى أن يكون ذلك خيرا له في دينه ، فما أغبط أحد بالامارة..!!
وقد خيّرته في أمراء الجند فاختارك على ابن عمّه..
فاذا نزل بك أمر تحتاج فيه الى رأي التقي الناصح ، فليكن أول من تبدأ به :
أبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل.. وليكن خالد بن سعيد ثالثا ، فانك
تجد عندهم نصحا وخيرا..
واياك واستبداد الرأي دونهم ، أو اخفاءه عنهم"..
وفي موقعه مرج الصفر بأرض الشام ، حيث كانت المعارك تدور بين المسلمين
والروم ، رهيبة ضارية ، كان في مقدمة الذين وقع أجرهم على الله ، شهيد
جليل ، قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حتى لحظة استشهاده في مسيرة صادقة
مؤمنة شجاعة..
ورآه المسلمون وهم يفحصون شهداء المعركة ، كما كان دائما ، هادئ ، ذكي الصمت ، قوي التصميم ، فقالوا :

" اللهم ارض عن خالد بن سعيد"..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:39

{ ثابت بن قيس - خطيب رسول الله }

كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والاسلام..
وكان ثابت خطيب رسول الله والاسلام..
وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية ، صادعة ، جامعة رائعة..

وفي عام الوفود ، وفد على المدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

" جئنا نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..
فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:
" قد أذنت لخطيبكم، فليقل"..
وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..
ولما آذن بانتهاءخطبته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..
ونهض ثابت فقال:
" الحمد لله ، الذي في السموات والأرض خلقه ، قضى فيهنّ أمره ، ووسع كرسيّه علمه ، ولم يك شيء قط الا من فضله..
ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة . واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا.
وأصدقهم حديثا . وأفضلهم حسبا ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ،
فكان خيرة الله من العالمين..
ثم دعا الناس الى الايمان به ، فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا ، وخيرهم فعالا..
ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق اجابة..
فنحن أنصار الله ، ووزراء رسوله"..
شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد ، والمشاهد بعدها.
وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!
في حروب الردّة ، كان في الطليعة دائما ، يحمل راية الأنصار ، ويضرب بسيف لا يكبو ، ولا ينبو..
وفي موقعة اليمامة ، التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة ، رأى ثابت وقع
الهجوم الخاطف الذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة ،
فصاح بصوته النذير الجهير:
" والله، ما هذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
ثم ذهب بغير بعيد ، وعاد وقد تحنّط ، ولبس اكفانه، وصاح مرة أخرى:
" اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء..
يعني جيش مسيلمة..
وأعتذر اليك مما صاع هؤلاء..
يعني تراخي المسلمين في القتال"..
وانضم اليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحمل راية المهاجرين..
وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين ، وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..
وهكذا وقفا..طودين شامخين ، نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق
الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى، صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش
الوثنية والكذب..
وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما، ومالت شمس كل منهما للغروب..!!
وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين الى
مواقعهم ، حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!
وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا ، وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة
، وقلبا خاشعا مخبتا ، وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله ، وحياء منه..
لما نزلت الآية الكريمة:
( ان الله لا يحب كل مختال فخور)..
أغلق ثابت باب داره ، وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال ، حتى بلغ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، فدعاه وسأله.
فقال ثابت:
" يا رسول الله ، اني أحب الثوب الجميل ، والنعل الجميل، وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:
" انك لست منهم..
بل تعيش بخير..
وتموت بخير..
وتدخل الجنة".
ولما نزل قول الله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..
ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)..
أغلق ثابت عليه داره ، وطفق يبكي..
وافتقده الرسول فسأل عنه ، ثم أرسل من يدعوه...
وجاء ثابت..
وسأله الرسول عن سببب غيابه ، فأجابه:
" اني امرؤ جهير الصوت..
وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..
واذن فقد حبط عملي، وأنا من أهل النار"..!!
وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" انك لست منهم..
بل تعيش حميدا..
وتقتل شهيدا..
ويدخلك الله الجنة".

بقي في قصة ثابت واقعة ، قد لا يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم
وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق الذي يلمسونه، أو يبصرونه، أو
يشمّونه..!
ومع هذا ، فالواقعة صحيحة ، وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر ، البصيرة..
بعد أن استشهد ثابت في المعركة ، مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا
حديثي عهد بالاسلام ورأى على جثمان ثابت درعه الثمينة، فظن أن من حقه أن
يأخذها لنفسه، فأخذها..
ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:
".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.
فقال له: اني أوصيك بوصية، فاياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.
اني لما استشهدت بالأمس ، مرّ بي رجل من المسلمين.
فأخذ درعي..
وان منزله في أقصى الناس ، وفرسه يستنّ في طوله ، أي في لجامه وشكيمته.
وقد كفأ على الدرع برمة ، وفوق البرمة رحل..
فأت خالدا ، فمره أن يبعث فيأخذها..
فاذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر ، فقل له: ان
عليّ من الدين كذا كذا..
فليقم بسداده..
فلما استيقظ الرجل من نومه ، أتى خالد بن الوليد ، فقصّ عليه رؤياه..
فأرسل خالد من يأتي بالدرع ، فوجدها كما وصف ثابت تماما..
ولما رجع المسلمون الى المدينة ، قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا، فأنجز وصيّة ثابت..
وليس في الاسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو ، سوى وصيّة ثابت بن قيس..
حقا ان الانسان لسرّ كبير..
( ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:41

{ عمرو بن الجموح - أريد أن أخطر بعرجتي في الجنة }

انه صهر عبدالله بن حرام ، اذ كان زوجا لأخته هند بن عمرو..
وكان ابن الجموح واحدا من زعماء المدينة ، وسيدا من سادات بني سلمة..
سبقه الى الاسلام ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد الأنصار السبعين ، أصحاب البيعة الثانية..
وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوان للاسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء..
وكان من عادة الناس هناك أن يتخذ الأشراف من بيوتهم أصناما رمزية غير تلك
الأصنام الكبيرة المنصوبة في محافلهاؤر، والتي تؤمّها جموع الناس..
وعمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح سخرية ولعبا..
فكانا يدلجان عليه ليلا ، ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيه فضلاتهم..
ويصيح عمرو فلا يجد منافا في مكانه ، ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثور ويقول:
ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة..!؟
ثم يغسله ويطهره ويطيّبه..
فاذا جاء ليل جديد ، صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.
حتى اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق مناف وقال له: ان كان فيك خير فدافع عن نفسك..!!
فلما اصبح فلم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا، بيد أن هذه
المرة لم يكن في حفرته وحيدا ، بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.
واذا هو في غضبه ، وأسفه ودهشه ، اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا
قد سبقوا الى الاسلام.. وراحوا ، وهم يشيرون بأصابعهم الى الصنم المنكّس
المقرون بكلب ميت ، يخاطبون في عمرو بن الجموح عقله وقلبه ورشده، محدثينه
عن الاله الحق ، العلي الأعلى ، الذي ليس كمثله شيء.
وعن محمد الصادق الأمين ، الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي ، لا ليضل..
وعن الاسلام ، الذي جاء يحرر البشر من الأعلال ، جميع الأغلال ، وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر في قلوبهم نوره.
وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره..
وفي لحظات ذهب فطهر ثوبه، وبدنه.. ثم تطيّب وتأنق ، وتألق ، وذهب عالي
الجبهة مشرق النفس ، ليبايع خاتم المرسلين ، وليأخذ مكانه مع المؤمنين.
قد يسأل سائل نفسه ، كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح.. وهم زعماء
قومهم وأشراف.. كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا الايمان..؟
وكيف لم تعصمهم عقولهم عن مثل هذا الهراء.. وكيف نعدّهم اليوم ، حتى مع اسلامهم وتضحياتهم ، من عظماء الرجال..؟
ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهلا في أيامنا هذه حيث لا نجد طفلا يسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة ثم يعبدها..
لكن في أيام خلت، كانت عواطف البشر تتسع لمثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم حيلة تجاه تلك التقاليد..!!
وحسبنا لهذا مثلا أثينا..

أثينا في عصر باركليز وفيثاغورس وسقراط..
أثينا التي كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الألباب ، كان أهلها جميعا :
فلاسفة ، وحكاما ، وجماهير يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي في البلاهة
والسخرية!!
ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة ، لم يكن يسير في خط مواز للتفوق العقلي...
أسلم عمرو بن الجموح قلبه ، وحياته لله رب العالمين ، وعلى الرغم من أنه
كان مفطورا على الجود والسخاء ، فان الاسلام زاد جوده مضاء ، فوضع كل ماله
في خدمة دينه واخوانه..
سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال:
من سيّدكم يا بني سلمة..؟
قالوا: الجدّ بن قيس، على بخل فيه..
فقال عليه الصلاة والسلام:
وأي داء أدوى من البخل!!
بل سيّدكم الجعد الأبيض، عمرو بن الجموح..
فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما لابن الجموح ، أي تكريم..!
وفي هذا قال شاعر الأنصار:

فسوّد عمرو بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا
اذا جاءه السؤال أذهب ماله
وقال: خذوه ، انه عائد غدا
وبمثل ما كان عمرو بن الجموح يجود بماله في سبيل الله ، أراد أن يجود بروحه وبحياته..
ولكن كيف السبيل؟؟
ان في ساقه عرجا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال.
وانه له أربعة أولاد ، كلهم مسلمون ، وكلهم رجال كالأسود ، كانوا يخرجون
مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو ، ويثابرون على فريضة الجهاد..
ولقد حاول عمرو أن يخرج في غزوة بدر فتوسّل أبناؤه الى النبي صلى الله
عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج ، أو يأمره به اذا هو لم يقتنع..
وفعلا ، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الاسلام يعفيه من الجهاد كفريضة ، وذلك لعجزه الماثل في عرجه الشديد..
بيد أنه راح يلحّ ويرجو.. فأمره الرسول بالبقاء في المدينة.
وجاءت غزوة أحد فذهب عمرو الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل اليه أن يأذن له وقال له :
" يا رسول الله انّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك الى الجهاد..
ووالله اني لأرجو أن، أخطر بعرجتي هذه في الجنة"..
وأمام اصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج ، فأخذ سلاحه ، وانطلق يخطر في حبور وغبطة ، ودعا ربه بصوت ضارع :
" اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الى أهلي".
والتقى الجمعان يوم أحد..
وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..
كان عمرو بن الجموح يخطر وسط المعمعة الصاخبة، ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..
كان يضرب الضربة بيمينه ، ثم يلتفت حواليه في الأفق الأعلى ، كأنه يتعجل قدوم الملاك الذي سيقبض روحه ، ثم يصحبها الى الجنة..
أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة ، وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب له..
وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء في الجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول اله
صلى الله عليه وسلم ، يعرف كيف يختار الأصحاب ، وكيف يربّي الرجال..!!
وجاء ما كان ينتظر.
ضربةسيف أومضت ، معلنة ساعة الزفاف..
زفاف شهيد مجيد الى جنات الخلد ، وفردوس الرحمن..!!
واذ كان المسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلاة والسلام أمره الذي سمعناه من قبل:

" انظروا، فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد ، فانهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين"..!!
ودفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد ، تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين ، بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة.
وبعد مضي ست وأربعين سنة على دفنهما ، نزل سيل شديد غطّى أرض القبور ،
بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية ، فسارع المسلمون الى نقل رفات
الشهداء ، فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم :
" ليّنة أجسادهم..
تتثنى أطرافهم"..!
وكان جابر بن عبدالله لا يزال حيا ، فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام ، ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح..
فوجدهما في قبرهما ، كأنهما نائمان.. لم تأكل الأرض منهما شيئا ، ولم
تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاء الله..
أتعجبون..؟
كلا ، لا تعجبوا..
فان الأرواح الكبيرة ، التقية ، النقية ، التي سيطرت
على مصيرها.. تترك في الأجساد التي كانت موئلا لها ، قدرا من المناعة
يدرأ عنها عوامل التحلل ، وسطوة التراب..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:43

{ أسامة بن زيد - الحبّ بن الحبّ }

جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين..
وجاء دور عبدالله بن عمر ، فأعطاه عمر نصيبه.
ثم جاء دور أسامة بن زيد ، فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدالله..
وإذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم ، وبلائهم في الاسلام ، فقد خشي
عبدالله بن عمر أن يكون مكانه في الاسلام آخرا، وهو الذي يرجو بطاعته ،
وبجهاده ، وبزهده ، وبورعه ، أن يكون عند الله من السابقين..
هنالك سأل أباه قائلا:" لقد فضّلت عليّ أسامة ، وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد"..؟
فأجابه عمر:
" ان أسامة كان أحبّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك..
وأبوه كان أحب الى رسول الله من أبيك"..!
فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما لم يبلغه ابن عمر ، وما لم يبلغه عمر بذاته..؟؟
انه أسامة بن زيد.
كان لقبه بين الصحابة: الحبّ بن الحبّ..
أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على
أبيه وأمه وأهله ، والذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول:
" أشهدكم أن زيدا هذا ابني، يرثني وأرثه"..
وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي..
أسامة هذا ابنه..
وأمه هي أم أيمن ، مولاة رسول الله وحاضنته،
لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء.. أي شيء..
فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون: أسود ، أفطس..
أجل.. بهاتين الكلمتين ، لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة..!!
ولكن ، متى كان الاسلام يعبأ بالأشكال الظاهرة للناس..؟
متى.. ورسوله هو الذي يقول:
" ألا ربّ أشعث ، أغبر ، ذي طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبرّه"..
فلندع الشكل الخارجي لأسامة اذن..
لندع بشرته السوداء ، وأنفه الأفطس ، فما هذا كله في ميزان الاسلام مكان..
ولننظر ماذا كان في ولائه..؟ ماذا كان في افتدائه..؟ في عظمة نفسه ، وامتلاء حياته..؟!
لقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقديره:
" ان أسامة بن زيد لمن أحبّ الناس اليّ، واني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا".
كان أسامة رضي الله عنه مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول.. وكبيرا في عينيه..
فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا الى الاسلام ، ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه.
وهو من أبناء الاسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه ، وتلقوا رضعاتهم الأولى من
فطرته النقية ، دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء..
وهو رضي الله عنه على حداثة سنه ، مؤمن ، صلب ، ومسلم قوي ، يحمل كل تبعات ايمانه ودينه ، في ولاء مكين ، وعزيمة قاهرة..
وهو مفرط في ذكائه ، مفرط في تواضعه ، ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود..
ثم هو بعد هذا ، يمثل في الدين الجديد، ضحايا الألوان الذين جاء الاسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها..
فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي ، وفي صفوف المسلمين مكانا عليّا ،
لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين
الناس فقال:
( ان أكرمكم عند الله أتقاكم)..
وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس أسامة بن زيد..
ثم رأيناه يدخل الكعبة في أكثر ساعات الاسلام روعة ، وفوزا ، وعن يمينه
ويساره بلال ، وأسامة.. رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة ، ولكن كلمة
الله التي يحملانها في قلبيهما الكبيرين قد أسبغت عليهما كل الشرف وكل
الرفعة..
وفي سن مبكرة ، لم تجاوز العشرين ، أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش ، بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر..!!
وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر ، واستكثروا على الفتى
الشاب ، أسامة بن زيد ، امارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين..
وبلغ همسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
" ان بعض الناس يطعنون في امارة أسامة بن زيد..
ولقد طعنوا في امارة أبيه من قبل..
وان كان أبوه لخليقا للامارة..
وان أسامة لخليق لها..
وانه لمن أحبّ الناس اليّ بعد أبيه..
واني لأرجو أن يكون من صالحيكم..
فاستوصوا به خيرا"..
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتحرّك الجيش الى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه:
" أنفذوا بعث أسامة..
أنفذوا بعث أسامة.."
وهكذا قدّس الخليفة أبو بكر هذه الوصاة ، وعلى الرغم من الظروف الجديدة
التي خلفتها وفاة الرسول ، فان الصدّيق أصرّ على انجاز وصيته وأمره ،
فتحرّك جيش أسامة الى غايته ، بعد أن استأذنه الخليفة في أن يدع عمر ليبقى
الى جواره في المدينة.
وبينما كان امبراطور الروم هرقل ، يتلقى خبر وفاة الرسول ، تلقى في نفس
الوقت خبر الجيش الذي يغير على تخوم الشام بقيادة أسامة بن زيد، فحيّره أن
يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم .
وهكذا انكمش الروم ، ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الاسلام في الجزيرة العربية.
وعاد الجيش بلا ضحايا.. وقال عنه المسلمون يومئذ:
" ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"..!!
وذات يوم تلقى أسامة من رسول الله درس حياته.. درسا بليغا ، عاشه أسامة ،
وعاشته حياته كلها منذ غادرهم الرسول الى الرفيق الأعلى الى أن لقي أسامة
ربه في أواخر خلافة معاوية.
قبل وفاة الرسول بعامين بعثه عليه السلام أميرا على سريّة خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الاسلام والمسلمين.
وكانت تلك أول امارة يتولاها أسامة..
ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز ، وسبقته أنباء فوزه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح بها وسر.
ولنستمع الى أسامة يروي لنا بقية النبأ:
".. فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اتاه البشير بالفتح ، فاذا هو متهلل وجهه.. فأدناني منه ثم قال:
حدّثني..
فجعلت أحدّثه.. وذكرت أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت اليه بالرمح ، فقال لا اله الا الله فطعنته وقتلته.
فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:
ويحك يا أسامة..!
فكيف لك بلا اله الا الله..؟
ويحك يا أسامة..
فكيف لك بلا اله الا الله..؟
فلم يزل يرددها عليّ حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته . واستقبلت الاسلام يومئذ من جديد.
فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله الا الله بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم".
هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه حياة أسامة الحبيب بن الحبيب منذ سمعه من رسول الله الى أن رحل عن الدينا راضيا مرضيّا.
وانه لدرس بليغ.
درس يكشف عن انسانية الرسول ، وعدله ، وسموّ مبادئه ، وعظمة دينه وخلقه..
فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله ، وأنكر على أسامة قتله ، كان مشركا ومحاربا..
وهو حين قال: لا اله الا الله.. قالها والسيف في يمينه ، تتعلق به مزغ
اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين.. قالها لينجو بها من ضربة قاتلة ، أو
ليهيء لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد..
ومع هذا ، فلأنه قالها ، وتحرّك بها لسانه ، يصير دمه حراما وحياته آمنة ، في نفس اللحظة ، ولنفس السبب..!
ووعى أسامة الدرس الى منتهاه..
فاذا كان هذا الرجل ، في هذا الموقف ، ينهى الرسول عن قتله لمجرّد أنه قل:
لا اله الا الله.. فكيف بالذين هم مؤمنون حقا ، ومسلمون حقا..؟
وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبرى بين الامام علي وأنصاره من جانب ، ومعاوية وأنصاره من جانب آخر ، يلتزم حيادا مطلقا.
كان يحبّ عليّا أكثر الحب ، وكان يبصر الحق الى جانبه.. ولكن كيف يقتل
بسيفه مسلما يؤمن بالله وبرسله ، وهو الذي لامه الرسول لقتله مشركا محاربا
قال في لحظة انكساره وهروبه: لا اله الا الله..؟؟!!
هنالك أرسل الى الامام علي رسالة قال فيها :
" انك لو كنت في شدق الأسد،
لأحببت أن أدخل معك فيه.
ولكن هذا أمر لم أره"..!!
ولزم داره طوال هذا النزاع وتلك الحروب..
وحين حاءه بعض أصحابه يناقشونه في موقفه قال لهم:
" لا أقاتل أحدا يقول لا اله الا الله أبدا".
قال أحدهم له: ألم يقل الله: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)..؟؟
فأجابهم أسامة قائلا:
" أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله"..
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة.. اشتاق أسامة للقاء الله ، وتلملمت روحه بين جوانحه ، تريد أن ترجع الى وطنها الأول..
وتفتحت أبواب الجنان ، لتستقبل واحدا من الأبرار المتقين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:44

{ عبدالله بن الزبير - أي رجل وأي شهيد }

كان جنينا مباركا في بطن أمه ، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة الى المدينة على طريق الهجرة العظيم.
هكذا قدّر لعبدالله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج الى الدنيا بعد ، ولم تشقق عنه الأرحام..!!
وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها ، تبلغ قباء عند مشارف المدينة
، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين الى أرض المدينة في نفس الوقت
الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب رسول الله..!!
وحمل أول مولود في الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره
بالمدينة فقبّله وحنّكه، وكان أول شيء دخل جوف عبدالله بن الزبير ريق
النبي الكريم.
واحتشد المسلمون في المدينة ، وحملوا الوليد في مهده ، ثم طوّفوا به في شوارع المدينة كلها مهللين مكبّرين.
ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه المدينة كبتوا واشتعلت أحقادهم،
وبدؤا حرب الأعصاب ضد المسلمين ، فأشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين
وسلطوا عليهم العقم ، فلن تشهد المدينة منهم وليدا جديدا..
فلما أهلّ عبدالله بن الزبير عليهم من عالم الغيب ، كان وثيقة دمغ بها القدر افك يهود المدينة وأبطل كيدهم وما يفترون..!!
ان عبدالله لم يبلغ مبلغ الرجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولكنه تلقى من ذلك العهد ، ومن الرسول نفسه بحكم اتصاله الوثيق به ، كل
خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ملء الدنيا وحديث الناس..
لقد راح الطفل ينمو نموّا سريعا ، وكان خارقا في حيويته ، وفطنته وصلابته..
وارتدى مرحلة الشباب ، فكان شبابه طهرا ، وعفة ونسكا ، وبطولة تفوق الخيال..
ومضى مع أيامه وقدره ، لا تتغيّر خلائقه ولا تنبو به رغائبه.. انما هو رجل يعرف طريقه ، ويقطعه بعزيمة جبارة، وايمان وثيق وعجيب..
وفي فتح افريقية والأندلس ، والقسطنطينية . كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الخالدين..
وفي معركة افريقية بالذات وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألفا..
ودار القتال ، وغشي المسلمين خطر عظيم..
وألقى عبد الله بن الزبير نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتهم . وما كان
هذا المصدر سوى ملك البربر وقائد الجيش ، يصيح في جنوده ويحرضهم بطريقة
تدفعهم الى الموت دفعا عجيبا..
وأدرك عبدالله أن المعركة الضارية لن يحسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد..
ولكن أين السبيل اليه ، ودون بلوغه جيش لجب ، يقاتل كالاعصار..؟؟
بيد أن جسارة ابن الزبير واقدامه لم يكونا موضع تساؤول قط..!!
هنالك نادى بعض اخوانه ، وقال لهم:
" احموا ظهري، واهجموا معي"...
وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم صامدا نحو القائد، حتى اذا بلغه ، هوى عليه
في كرّة واحدة فهوى ، ثم استدار بمن معه الى الجنود الذين كانوا يحيطون
بملكهم وقائدهم فصرعوهم.. ثم صاحوا الله أكبر..
ورأى المسلمون رايتهم ترتفع ، حيث كان يقف قائد البربر يصدر أوامره ويحرّض
جيشه ، فأدركوا أنه النصر، فشدّوا شدّة رجل واحدة ، وانتهى كل شيء لصالح
المسلمين..
وعلم قائد الجيش المسلم عبدالله بن أبي سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن
الزبير فجعل مكافأته أن يحمل بنفسه بشارة النصر الى المدينة والى خليفة
المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه..
على أن بطولته في القتال كانت برغم تفوقها واعجازها تتوارى أمام بطولته في العبادة.
فهذا الذي يمكن أن يبتعث فيه الزهو ، وثني الأعطاف ، أكثر من سبب ، يذهلنا بمكانه الدائم والعالي بين الناسكين العابدين..
فلا حسبه ، ولا شبابه ، ولا مكانته ورفعته ، ولا أمواله ولا قوته..
لا شيء من ذلك كله ، استطاع أن يحول بين عبدالله بن الزبير وبين أن يكون
العابد الذي يصوم يومه ، ويقوم ليله ، ويخشع لله خشوعا يبهر الألباب.
قال عمر بن عبدالعزيز يوما لابن أبي مليكة:صف لنا عبدالله بن الزبير..فقال:
" والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه..
ولقد كات يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء اليها..
وكان يركع أو يسجد ، فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله،
لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده الا جدارا ، أو ثوبا مطروحا..
ولقد مرّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي ، فوالله ما أحسّ بها
ولا اهتز لها ، ولا قطع من أجلها قراءته ، ولا تعجل ركوعه"..!!
ان الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة ابن الزبير لشيء يشبه الأساطير..
فهو في صيامه ، وفي صلاته ، وفي حجه ، وفي علوّ همّته ، وشرف نفسه..
في سهره طوال العمر قانتا وعبدا..
وفي ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا..
وفي ايمانه الوثيق بالله ، وفي خشيته الدائمة له..
هو في كل هذا نسيج وحده..!
سئل عنه ابن عباس فقال على الرغم مما كان بينهما من خلاف:
" كان قارئا لكتاب الله ، متبعا سنة رسوله.. قانتا لله ، صائما في الهواجر
من مخافة الله.. ابن حواريّ رسول الله.. وأمه أسماء بنت الصديق.. وخالته
عائشة زوجة رسول الله.. فلا يجهل حقه الا من أعماه الله"..!!
وهو في قوة خلقه وثبات سجاياه ، يزري بثبات الجبال..
واضح شريف قوي ، على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته واستقامة نهجه..
أثناء نزاعه مع الأمويين زاره الحصين بن نمير قائد الجيش الذي أرسله يزيد لاخماد ثورة بن الزبير..
زاره اثر وصول الأنباء الى مكة بموت يزيد..
وعرض عليه أن يذهب معه الى الشام ، ويستخدم الحصين نفوذه العظيم هناك في أخذ البيعة لابن الزبير..
فرفض عبدالله هذه الفرصة الذهبية ، لأنه كان مقتنعا بضرورة القصاص من جيش
الشام جزاء الجرائم البشعة التي ارتكبها رجاله من خلال غزوهم الفاجر
للمدينة ، خدمة لأطماع الأمويين..
قد نختلف مع عبدالله في موقفه هذا ، وقد نتمنى لو أنه آثر السلام والصفح ،
واستجاب للفرصة النادرة التي عرضها عليه الحصين قائد يزيد..
ولكنّ وقفة الرجل أي رجل، الى جانب اقتناعه واعتقاده.. ونبذه الخداع والكذب ، أمر يستحق الاعجاب والاحترام..
وعندما هاجمه الحجاج بجيشه ، وفرض عليه ومن معه حصارا رهيبا ، كان من بين
جنده فرقة كبيرة من الأحباش ، كانوا من أمهر الرماة والمقاتلين..
ولقد سمعهم يتحدثون عن الخليفة الراحل عثمان رضي الله عنه ، حديثا لا ورع
فيه ولا انصاف، فعنّفهم وقال لهم:" والله ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بمن
يبغض عثمان"..!!
ثم صرفهم عنه في محنة هو فيها محتاج للعون ، حاجة الغريق الى أمل..!!
ان وضوحه مع نفسه ، وصدقه مع عقيدته ومبادئه ، جعلاه لا يبالي بأن يخسر
مائتين من أكفأ الرماة ، لم يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه ، مع أنه في
معركة مصير طاحنة ، وكان من المحتمل كثيرا أن يغير اتجاهها بقاء هؤلاء
الرماة الأكفاء الى جانبه..!!
ولقد كان صموده في وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا..
فقد كا يرى أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين
، ان كان يصلح على الاطلاق.. هو محق في رأيه ، ف يزيد هذا كان فاسدا في كل
شيء.. لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها الينا
التاريخ..
فكيف يبايعه ابن الزبير؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حي..
وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار خليفة ، وأرسل الى ابن الزبير يتوعده بشرّ مصير..
هناك قال ابن الزبير:
" لا أبايع السكّير أبدا".
ثم أنشد:
ولا الين لغير الحق أساله حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
وظل ابن الزبير أميرا للمؤمنين ، متخذا من مكة المكرّمةعاصمة خلافته ،
باسطا حكمه على الحجاز ، واليمن والبصرة الكوفة وخراسان والشام كلها ما
عدا دمشق بعد أن بايعه أهل الأمصار جميعا..
ولكن الأمويين لا يقرّ قرارهم ، ولا يهدأ بالهم ، فيشنون عليه حروبا موصولة ، يبوءون في أكثرها بالهزيمة والخذلان..
حتى جاء عهد عبدالملك بن مروان حين ندب لمهاجمة عبدالله في مكة واحدا من أشقى بني آدم وأكثرهم ايغالا في القسوة والاجرام..
ذلكم هو الحجاج الثقفي الذي قال عنه الامام العادل عمر بن عبدالعزيز:
" لو جاءت كل أمة بخطاياها ، وجئنا نحن بالحجاج وحده ، لرجحناهم جميعا"..!!
ذهب الحجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزو مكة عاصمة ابن الزبير ، وحاصرها
وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام ، كي يحملهم على ترك
عبدالله بن الزبير وحيدا ، بلا جيش ولا أعوان.
وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون ، ووجد عبدالله نفسه ، وحيدا أو
يكاد ، وعلى الرغم من أن فرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مهيأة له
، فقد قرر أن يحمل مسؤوليته الى النهاية ، وراح يقاتل جيش الحجاج في شجاعة
أسطورية ، وهو يومئذ في السبعين من عمره..!!
ولن نبصر صورة أمينةلذلك الموقف الفذ الا اذا اصغينا للحوار الذي دار بين
عبدالله وأمه. العظيمة المجيدة أسماء بنت أبي بكر في تلك الساعات الأخيرة
من حياته.
لقد ذهب اليها ، ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه ، وللمصير الذي بدأ واضحا أنه ينتظره..
قالت له أسماء:
" يا بنيّ: أنت أعلم بنفسك ، ان كنت تعلم أنك على حق ، وتدعو الى حق ،
فاصبر عليه حتى تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة..
وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا ، فلبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك.
قال عبد الله :
" والله يا أمّاه ما أردت الدنيا ، ولا ركنت اليها.
وما جرت في حكم الله أبدا ، ولا ظلمت ولا غدرت"..
قالت أمه أسماء:
" اني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا ان سبقتني الى الله أو سبقتك.
اللهم ارحم طول قيامه في الليل ، وظمأه في الهواجر ، وبرّه بأبيه وبي..
اللهم اني اسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثبني في عبدالله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين.!"
وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته.
وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافئ ، تلقى الشهيد العظيم
ضربة الموت ، في وقت استأثر الحجاج فيه بكل ما في الأرض من حقارة ولؤم،
فأبى الا أن يصلب الجثمان الهامد ، تشفيا وخسّة..!!
وقامت أمه ، وعمره يومئذ سبع وتسعون سنة ، قامت لترى ولدها المصلوب.
وكالطود الشامخ وقفت تجاهه .. واقترب الحجاج منها في هوان وذلة قائلا لها:
يا أماه ، ان أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا ، فهل لك من حاجة..؟
فصاحت به قائلة:
" لست لك بأم..
انما أنا أم هذا المصلوب على الثنيّة..
وما بي اليكم حاجة..
ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يخرج من ثقيف كذاب ومبير"..
فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير، فلا أراه الا أنت"!!
واقدم منها عبد الله بن عمر رضي الله عنه معزيا ، وداعيا اياها الى الصبر ، قأجابته قائلة :
" وماذا يمنعني من الصبر ، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا الى بغيّ من بغايا بني اسرائيل"..!!
يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق..!!
أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبدالله بن الزبير عن رأسه قبل أن يصلبوه..؟؟
أجل.. ان يكن رأس ابن الزبير قد قدّم هديّة للحجاج وعبدالملك.. فان رأس
نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية ل سالومي.. بغيّ حقيرة
من بني اسرائيل!!
ما أروع التشبيه ، وما أصدق الكلمات.
وبعد ، فهل كان يمكن لعبدالله بن الزبير أن يحيا حياته دون هذا المستوى
البعيد من التفوّق ، والبطولة والصلاح ، وقد رضع لبن أم من هذا الطراز..؟؟
سلام على عبدالله..
وسلام على أسماء..
سلام عليهما في الشهداء الخالدين..
وسلام عليهما في الأبرار المتقين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:45

{ المقداد بن عمرو - أول فرسان الاسلام }

تحدث عنه أصحابه ورفاقه فقالوا:
" أول من عدا به فرسه في سبيل الله، المقداد بن الأسود..
والمقداد بن الأسود، هو بطلنا ، هذا المقداد بن عمرو كان قد حالف في
الجاهلية الأسود بن عبد يغوث فتبناه، فصار يدعى المقداد بن الأسود، حتى
اذا نزلت الآية الكريمة التي تنسخ التبني، نسب لأبيه عمرو بن سعد..
والمقداد من المبكّرين بالاسلام، وسابع سبعة جاهروا باسلامهم وأعلنوه،
حاملا نصيبه من أذى قريش ونقمتها في شجاعة الرجال وغبطة الحواريين..!!
ولسوف يظل موقفه يوم بدر لوحة رائعة كل من رآه لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم..
يقول عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله:
" لقد شهدت من المقداد مشهدا، لأن أكون صاحبه، أحبّ اليّ مما في الأرض جميعا".
في ذلك اليوم الذي بدأ عصيبا ، حيث أقبلت قريش في بأسها الشديد واصرارها العنيد، وخيلائها وكبريائها..
في ذلك اليوم.. والمسلمون قلة، لم يمتحنوا من قبل في قتال من أجل الاسلام، فهذه أول غزوة لهم يخوضونها..
ووقف الرسول معجبا بايمان الذين معه، واستعدادهم لملاقاة الجيش الزاحف عليهم في مشاته وفرسانه..
وراح يشاورهم في الأمر، وأصحاب الرسول يعلمون أنه حين يطلب المشورة
والرأي، فانه يفعل ذلك حقا، وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة
رأيه، فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الجماعة كلها، ويخالفها فلا حرج عليه
ولا تثريب..
وخاف المقدادا أن يكون بين المسلمين من له بشأن المعركة تحفظات... وقبل أن
يسبقه أحد بالحديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار المعركة،
ويسهم في تشكيل ضميرها.
ولكنه قبل أن يحرك شفتيه، كان أبو بكر الصديق قد شرع يتكلم فاطمأن المقداد
كثيرا.. وقال أبو بكر فأحسن، وتلاه عمر بن الخطاب فقل وأحسن..
ثم تقدم المقداد وقال:
" يا رسول الله..
امض لما أراك الله، فنحن معك..
والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى
اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون..
بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون..!!
والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا الى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتى
تبلغه. ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتى يفتح الله
لك".. انطلقت الكلمات كالرصاص المقذوف.. وتهلل وجه رسول الله وأشرق فمه عن
دعوة صالحة دعاها للمقداد.. وسرت في الحشد الصالح المؤمن حماسة الكلمات
الفاضلة التي أطلقها المقداد بن عمرو والتي حددت بقوتها واقناعها نوع
القول لمن أراد قولا.. وطراز الحديث لمن يريد حديثا..!!
أجل لقد بلغت كلمات المقداد غايتها من أفئدة المؤمنين، فقام سعد بن معاذ زعيم الأنصار، وقال:
" يا رسول الله..
لقد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق.. وأعطيناك على ذلك
عهودنا ومواثيقنا، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك.. والذي بعثك
بالحق.. لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل
واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا..
انا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء.. ولعل الله يريك منا ما تقر عينك.. فسر على بركة الله"..
وامتلأ قلب الرسول بشرا..
وقال لأصحابه:" سيروا وأبشروا"..
والتقى الجمعان..
وكان من فرسان المسلمين يومئذ ثلاثة لا غير: المقداد بن عمرو، ومرثد بن
أبي مرثد، والزبير بن العوّام، بينما كان بقية المجاهدين مشاة، أو راكبين
ابلا..
ان كلمات المقداد التي مرّت بنا من قبل، لا تصور شجاعته فحسب، بل تصور لنا حكمته الراجحة، وتفكيره العميق..
وكذلك كان المقداد..
كان حكيما أريبا، ولم تكن حكمته تعبّر عن نفسها في مجرّد كلمات، بل هي
تعبّر عن نفسها في مبادئ نافذة، وسلوك قويم مطرّد. وكانت تجاربه قوتا
لحكمته وريا لفطنته..
ولاه الرسول على احدى الولايات يوما، فلما رجع سأله النبي:
" كيف وجدت الامارة"..؟؟
فأجاب في صدق عظيم:
" لقد جعلتني أنظر الى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعا دوني..
والذي بعثك بالحق، لا اتآمرّن على اثنين بعد اليوم، أبدا"..
واذا لم تكن هذه الحكمة فماذا تكون..؟
واذا لم يكن هذا هو الحكيم فمن يكون..؟
رجل لا يخدع عن نفسه، ولا عن ضعفه..
يلي الامارة، فيغشى نفسه الزهو والصلف، ويكتشف في نفسه هذا الضعف، فيقسم
ليجنّبها مظانه، وليرفض الامارة بعد تلك التجربة ويتحاماها.. ثم يبر بقسمه
فلا يكون أميرا بعد ذلك أبدا..!!
لقد كان دائب التغني بحديث سمعه من رسول الله.. هوذا:
" ان السعيد لمن جنّب الفتن"..
واذا كان قد رأى في الامارة زهوا يفتنه، أو يكاد يفتنه، فان سعادته اذن في تجنبها..
ومن مظاهر حكمته، طول أناته في الحكم على الرجال..
وهذه أيضا تعلمها من رسول الله.. فقد علمهم عليه السلام أن قلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر حين تغلي..
وكان المقداد يرجئ حكمه الأخير على الناس الى لحظة الموت، ليتأكد أن هذا
الذي يريد أن يصدر عليه حكمه لن يتغير ولن يطرأ على حياته جديد.. وأي
تغيّر، أو أي جديد بعد الموت..؟؟
وتتألق حكمته في حنكة بالغة خلال هذا الحوار الذي ينقله الينا أحد أصحابه وجلسائه، يقول:
" جلسنا الى المقداد يوما فمرّ به رجل..
فقال مخاطبا المقداد: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى اله عليه وسلم..
والله لوددنا لو أن رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت فأقبل عليه المقداد وقال:
ما يحمل أحدكم على أن يتمنى مشهدا غيّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف
كان يصير فيه؟؟ والله، لقد عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبّهم
الله عز وجل على مناخرهم في جهنم. أولا تحمدون الله الذي جنّبكم مثلا
بلائهم، وأخرجكم مؤمنين بربكم ونبيكم"..
حكمة وأية حكمة..!!
انك لا تلتقي بمؤمن يحب الله ورسوله، الا وتجده يتمنى لو أنه عاش أيام الرسول ورآه..!
ولكن بصيرة المقداد الحاذق الحكيم تكشف البعد المفقود في هذه الأمنية..
ألم يكن من المحتمل لهذا الذي يتمنى لو أنه عاش تلك الأيام.. أن يكون من أصحاب الجحيم..
ألم يكون من المحتمل أن يكفر مع الكافرين.
وأليس من الخير اذن أن يحمد الله الذي رزقه الحياة في عصور استقرّ فيها الاسلام، فأخذه صفوا عفوا..
هذه نظرة المقداد، تتألق حكمة وفطنة.. وفي كل مواقفه، وتجاربه، وكلماته، كان الأريب الحكيم..
وكان حب المقداد للاسلام عظيما..
وكان الى جانب ذلك، واعيا حكيما..
والحب حين يكون عظيما وحكيما، فانه يجعل من صاحبه انسانا عليّا، لا يجد غبطة هذا الحب في ذاته.. بل في مسؤولياته..
والمقداد بن عمرو من هذا الطراز..
فحبه للرسول. ملأ قلبه وشعوره بمسؤولياته عن سلامة الرسول، ولم يكن تسمع
في المدينة فزعة، الا ويكون المقداد في مثل لمح البصر واقفا على باب رسول
الله ممتطيا صهوة فرسه، ممتشقا مهنّده وحسامه..!!
وحبه للاسلام، ملأ قلبه بمسؤولياته عن حماية الاسلام.. ليس فقط من كيد أعدائه.. بل ومن خطأ أصدقائه..
خرج يوما في سريّة، تمكن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرية أمره
بألا يرعى أحد دابته.. ولكن أحد المسلمين لم يحط بالأمر خبرا، فخالفه،
فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق، أو لعله لا يستحقها على الاطلاق..
فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح، فسأله، فأنبأه ما حدث
فأخذ المقداد بيمينه، ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له:
" والآن أقده من نفسك..
ومكّنه من القصاص"..!!
وأذعن الأمير.. بيد أن الجندي عفا وصفح، وانتشى المقداد بعظمة الموقف،
وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة، فراح يقول وكأنه يغني:
" لأموتنّ، والاسلام عزيز"..!!
أجل تلك كانت أمنيته، أن يموت والاسلام عزيز.. ولقد ثابر مع المثابرين على
تحقيق هذه الأمنية المثابرة الباهرة جعلته أهلا لأن يقول له الرسول عليه
الصلاة والسلام:
"ان الله أمرني بحبك..
وأنبأني أنه يحبك"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:46

{ عبادة بن الصامت - نقيب في حزب الله }

انه واحد من الأنصار الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، ولولا
الهجرة لكنت من أمراء الأنصار"..هوعبادة بن الصامت بعد كونه من الأنصار،
فهو واحد من زعمائهم الذين اتخذهم نقباء على أهليهم وعشائرهم...
وحينما جاء وفد الأنصار الأول الى مكة ليبايع الرسول عليه السلام ، تلك
البيعة المشهورة ب بيعة العقبة الأولى، كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه
أحد الاثني عشر مؤمنا، الذين سارعوا الى الاسلام، وبسطوا أيمانهم الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم مبايعين، وشدّوا على يمينه مؤازرين ومسلمين...
وحينما كان موعد الحج في العام التالي، يشهد بيعة العقبة الثانية يبابعها
وفد الأنصار الثاني، مكّونا من سبعين مؤمنا ومؤمنة، كان عبادة أيضا من
زعماء الوفد ونقباء الأنصار..
وفيما بعد والمشاهد تتوالى.. ومواقف التضحية والبذل، والفداء تتابع، كان عبادة هناك لم يتخلف عن مشهد ولم يبخل بتضحية...
ومنذ اختيار الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقوم على أفضل وجه بتبعات هذا الاختيار..
كل ولائه لله، وكل طاعته لله، وكلا علاقته بأقربائه بحلفائه وبأعدائه انما يشكلها ايمانه ويشكلها السلوك الذي يفرضه هذا الايمان..
كانت عائلة عبادة مرتبطة بحلف قديم مع يهود بني قينقاع بالمدينة..
ومنذ هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة، ويهودها يتظاهرون بمسالمته.. حتى
كانت الأيام التي تعقب غزوة بدر وتسبق غزوة أحد، فشرع يهود المدينة
يتنمّرون..
وافتعلت احدى قبائلهم بنو قينقاع أسبابا للفتنة وللشغب على المسلمين..
ولا يكاد عبادة يرى موقفهم هذا، حتى ينبذ الى عهدهم ويفسخ حلفهم قائلا:
" انما أتولى الله، ورسوله، والمؤمنين...
فيتنزل القرآن محييا موقفه وولاءه، قائلا في آياته:
( ومن يتولى الله ورسوله، والذين آمنوا، فان حزب الله هم الغالبون)...
لقد أعلنت الآية الكريمة قيام حزب الله..
وحزب الله، هم أولئك المؤمنون الذين ينهضون حول رسول الله صلى الله عليه
وسلم حاملين راية الهدى والحق، والذين يشكلون امتدادا مباركا لصفوف
المؤمنين الذين سبقوهم عبر التاريخ حول أنبيائهم ورسلهم، مبلّغين في
أزمانهم وأعصارهم كلمة الله الحي القيّوم..
ولن يقتصر حزب الله على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل سيمتد عبر
الأجيال الوافدة، والأزمنة المقبلة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ضمّا
الى صفوفه كل مؤمن بالله وبرسوله..
وهكذا فان الرجل الذي نزلت هذه الآية الكريمة تحيي موقفه وتشيد بولائه
وايمانه، لن يظل مجرّد نقيب الأنصار في المدينة، بل سيصير نقيبا من نقباء
الدين الذي ستزوى له أقطار الأرض جميعا.
أجل لقد أصبح عبادة بن الصامت نقيب عشيرته من الخزرج ، رائدا من روّاد
الاسلام ، وامام من أئمة المسلمين يخفق اسمه كالراية في معظم أقطار الأرض
لا في جبل، ولا في جبلين، أو ثلاثة بل الى ما شاء الله من أجيال.. ومن
أزمان.. ومن آماد..!!
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يتحدث عن مسؤولية الأمراء والولاة..
سمعه يتحدث عليه الصلاة والسلام ، عن المصير الذي ينتظر من يفرّط منهم في
الحق ، أو تعبث ذمته بمال ، فزلزل زلزالا، وأقسم بالله ألا يكون أميرا على
أثنين أبدا..ولقد برّ بقسمه..
وفي خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصب ما، الا ّتعليم الانس وتفقيههم في الدين.
أجل هذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة، مبتعدا بنفسه عن الأعمال
الأخرى، المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء، والمحفوفة أيضا بالأخطار
التي يخشاها على مصيره ودينه
وهكذا سافر الى الشام ثالث ثلاثة: هو ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء.. حيث ملؤا البلاد علما وفقها ونورا...
وسافر عبادة الى فلسطين حيث ولي قضاءها بعض الوقت وكان يحكمها باسم الخليفة آنذاك، معاوية..
كان عبادة بن الصامت وهو ثاو في الشام يرنو ببصره الى ما وراء الحدود..
الى المدينة المنورة عاصمة السلام ودار الخلافة، فيرى فيها عمر ابن
الخطاب..رجل لم يخلق من طرازه سواه..!!
ثم يرتد بصره الى حيث يقيم، في فلسطين.. فيرى معاوية بن أبي سفيان..رجل يحب الدنيا، ويعشق السلطان...
وعبادة من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول
الكريم.. الرّعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الاسلام رغبا لا
رهبا.. وباع نفسه وماله...
عبادة من الرعيل الذي رباه محمد بيديه، وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته..
واذا كان هناك من الأحياء مثل أعلى للحاكم يملأ نفس عبادة روعة، وقلبه
ثقة، فهو ذلك الرجل الشاهق الرابض هناك في المدينة.. عمر بن الخطاب..
فاذا مضى عبادة يقيس تصرّفات معاوية بهذا المقياس، فستكون الشقة بين الاثنين واسعة، وسيكون الصراع محتوما.. وقد كان..!!
يقول عبادة رضي الله عنه:
" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نخاف في الله لومة لائم"..
وعبادة خير من يفي بالبيعة. واذن فهو لن يخشى معاوية بكل سلطانه، وسيقف بالمرصاد لكل أخطائه..
ولقد شهد أهل فلسطين يومئذ عجبا.. وترامت أنباء المعارضة الجسورة التي
يشنّها عبادة على معاوية الى أقطار كثيرة من بلاد الاسلام فكانت قدوة
ونبراسا..
وعلى الرغم من الحلم الواسع الرحيب الذي اشتهر به معاوية فقد ضاق صدره بمواقف عبادة ورأى فيها تهديدا مباشرا لهيبة سلطانه..
ورأى عبادة من جانبه أن مسافة الخلف بينه وبين معاوية تزداد وتتسع، فقال
لمعاوية:" والله لا أساكنك أرضا واحدة أبدا".. وغادر فلسطين الى المدينة..
كان أمير المؤمنين عمر، عظيم الفطنة، بعيد النظر.. وكان حريصا على ألا يدع
أمثال معاوية من الولاة الذين يعتمدون على ذكائهم ويستعملونه بغير حساب
دون أن يحيطهم بنفر من الصحابة الورعين الزاهدين والنصحاء المخلصين، كي
يكبحوا جماح الطموح والرغبة لدى أولئك الولاة، وكي يكونوا لهم وللناس
تذكرة دائمة بأيام الرسول وعهده..
من أجل هذا لم يكد أمير المؤمنين يبصر عبادة بن الصامت وقد عاد الى
المدينة حتى ساله:" ما الذي جاء بك يا عبادة"...؟؟ ولما قصّ عليه ما كان
بينه وبين معاوية قال له عمر:
" ارجع الى مكانك، فقبّح الله أرضا ليس فيها مثلك..!!
ثم أرسل عمر الى معاوية كتابا يقول فيه:
" لا امرة لك على عبادة"..!!
أجل ان عبادة أمير نفسه..
وحين يكرّم عمر الفاروق رجلا مثل هذا التكريم، فانه يكون عظيما..
وقد كان عبادة عظيما في ايمانه، وفي استقامة ضميره وحياته...
وفي العام الهجري الرابع والثلاثين، توفي بالرملة في أرض فلسطين هذا
النقيب الراشد من نقباء الأنصار والاسلام، تاركا في الحياة عبيره وشذاه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 18 مارس 2010 - 2:48

ولانا عوده


احمد المحلاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 مارس 2010 - 2:16

عدنا

احمد المحلاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 مارس 2010 - 2:17

{ عبدالله بن رواحة - يا نفس، الا تقتلي تموتي }

عندما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد
القادم من المدينة هناك عند مشترف مكة، يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار
بيعة العقبة الأولى، كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء،
حملة الاسلام الى المدينة، والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت
بدورها منطلقا رائعا لدين الله، والاسلام..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة
وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية، كان ابن رواحة
الصحابي الجليل واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها، كان عبدالله بن
رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه، وكان من أكثرهم يقظة
لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها
قبل أن يهاجر الاسلام اليها، والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة،
فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب
هذا الدهاء ببصيرةمنيرة، أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته، وشلّت حركة
دهائه..!!
وكان ابن رواحة رضي الله عنه، كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..
وكان شاعرا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
ومنذ أسلامه ، وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
جلس عليه السلام يوما مع أصحابه، وأقبل عبدالله بن رواحة، فسأله النبي:
" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟؟
فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد:
يا هاشم الخير ان الله فضّلكم
على البريّة فضلا ما له غير
اني تفرّست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو
في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا
فثّبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فسرّ الرسول ورضي وقال له:
"واياك، فثّبت الله"..
وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء
كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:
يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا
ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة ألبنا
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
وحزن الشاعر المكثر، حين تنزل الآية الكريمة:
( والشعراء يتبعهم الغاوون)..
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:
( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا..)
وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه، يحمل ابن رواحة سيفه في
مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من
شعره وقصيده:
" يا نفس الا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزوة:
خلوا بني الكفار عن سبيله
خلوا، فكل الخير في رسوله
وجاءت غزوة مؤتة..
وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء، كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..
ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
وقف ينشد ويقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا
حتى يقال اذا مرّوا على جثثي يا أرشد الله من غاز، وقد رشدا
أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أ، طعنة رمح، تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
وتحرّك الجيش الى مؤتة، وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم
بمائتي ألف مقاتل، اذ رأوا صفوفا لا آخر لها، وأعداد تفوق الحصر
والحساب..!!
ونظر المسلمون الى عددهم القليل، فوجموا.. وقال بعضهم:
" فلنبعث الى رسول الله، نخبره بعدد عدوّنا، فامّا أن يمدّنا بالرجال، وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار، وقال لهم:
" يا قوم..
انّا والله، ما نقاتل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..
فانطلقوا.. فانما هي احدى الحسنيين، النصر أو الشهادة"...
وهتف المسلمون الأقلون عددا، الأكثرون ايمانا،..
هتفوا قائلين:
"قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش الى غايته، يلاقي بعدده القليل مائتي ألف، حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان
القتال قد بلغ ضراوته، وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب،
الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي، كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أما الآن، وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته، فقد بدا أمام ضراوة
الروم، وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب، لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى
المخاطرة في نفسه وصاح..
أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟
يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيدا وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت.
انطلق يعصف بالروم عصفا..
ولو لا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة، لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني
الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله،
فصعد شهيدا..
هوى جسده، فصعدت الى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
وتحققت أغلى أمانيه:
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي
يا أرشد الله من غاز، وقد رشدا

نعم يا ابن رواحة..
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة، يحادثهم ويحادثونه..
وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى
وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:
"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..
وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:
" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..
ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل، مطمئن، مشتاق. ثم قال:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
أيّة رحلة مجيدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا الى الغزو معا..
وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة، كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 مارس 2010 - 2:18

عمران بن حصين - شبيه الملائكة

عام خيبر، أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعا..
ومنذ وضع يمينه في يمين الرسول أصبحت يده اليمنى موضع تكريم كبير، فعاهد نفسه ألا يستخدمها الا في كل عمل طيّب، وكريم..
هذه الظاهرة تنبئ عما يتمتع به صاحبها من حسّ دقيق.
وعمران بن حصين رضي الله عنه صورة رضيّة من صور الصدق، والزهد، والورع، والتفاني وحب الله وطاعته...
وان معه من توفيق الله ونعمة الهدى لشيئا كثيرا، ومع ذلك فهو لا يفتأ يبكي، ويبكي، ويقول:
" يا ليتني كنت رمادا، تذروه الرياح"..!!
ذلك أن هؤلاء الرجال لم يكونوا يخافون الله بسبب ما يدركون من ذنب، فقلما كانت لهم بعد اسلامهم ذنوب..
انما كانوا يخافونه ويخشونه بقدر ادراكهم لعظمته وجلاله ، وبقدر ادراكهم
لحقيقة عجزهم عن شكره وعبادته، فمهما يضرعوا، ويركعوا، ومهما يسجدوا،
ويعبدوا..
ولقد سأل أصحاب الرسول يوما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
" يا رسول الله، مالنا اذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا دنيانا، وكأننا
نرى الآخرة رأي العين.. حتى اذا خرجنا من عندك، ولقينا أهلنا، وأولادنا،
ودنيانا، أنكرنا أنفسنا..؟؟"
فأجابهم عليه السلام:
" والذي نفسي بيده، لو تدومون على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة عيانا، ولكن ساعة.. وساعة.
وسمع عمران بن حصين هذا الحديث. فاشتعلت أشواقه.. وكأنما آلى على نفسه ألا
يقعد دون تلك الغاية الجليلة ولو كلفته حياته، وكأنما لم تقنع همّته بأن
يحيا حياته ساعة.. وساعة.. فأراد أن تكون كلها ساعة واحدة موصولة النجوى
والتبتل لله رب العالمين..!!
وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أرسله الخليفة الى البصرة ليفقه
أهلها ويعلمهم.. وفي البصرة حطّ رحاله، وأقبل عليه أهلها مذ عرفوه يتبركون
به، ويستضيؤن بتقواه.
قال الحسن البصري، وابن سيرين:
" ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد بفضل عمران بن حصين"
كان عمران يرفض أن يشغله عن الله وعبادته شاغل، استغرق في العبادة،
واستوعبته العبادة حتى صار كأنه لا ينتمي الى عالم الدنيا التي يعيش فوق
أرضها وبين ناسها..
أجل..
صار كأنه ملك يحيا بين الملائكة، يحادثونه ويحادثهم.. ويصافحونه ويصافحهم..
ولما وقع النزاع الكبير بين المسلمين، بين فريق علي وفريق معاوية، لم يقف
عمران موقف الحيدة وحسب، بل راح يرفع صوته بين الناس داعيا ايّاهم أن
يكفوا عن الاشتراك في تلك الحرب، حاضنا قضية الاسلام خير محتضن.. وراح
يقول للناس:
" لأن أرعى أعنزا حضنيات في رأس جبل حتى يدركني الموت، أحبّ اليّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم ، أخطأ أم أصاب"..
وكان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلا:
" الزم مسجدك..
فان دخل عليك، فالزم بيتك..
فان دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله"..
وحقق ايمان عمران بن حصين أعظم نجاح، حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما، ما ضجر منه ولا قال: أفّ..
بل كان مثابرا على عبادته قائما، وقاعدا وراقدا..
وكان اذا هوّن عليه اخوانه وعوّاده أمر علته بكلمات مشجعة، ابتسم لها وقال:
" ان أحبّ الأشياء الى نفسي، أحبها الى الله"..!!
وكانت وصيته لأهله واخوانه حين أدركه الموت:
" اذا رجعتم من دفني، فانحروا وأطعموا"..
أجل لينحروا ويطعموا، فموت مؤمن مثل عمران بن حصين ليس موتا
انما هو حفل زفاف عظيم، ومجيد، تزف فيه روح عالية راضية الى جنّة
عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 مارس 2010 - 2:19

{ سعيد بن عامر - العظمة تحت الأسمال }


أيّنا سمع هذا الاسم، وأيّنا سمع به من قبل..؟
أغلب الظن أن أكثرنا، ان لم نكن جميعا، لم نسمع به قط.. وكأني بكم اذ تطالعونه الآن تتسائلون: ومن يكون عامر هذا..؟؟
أجل سنعلم من هذا السعيد..!!
انه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وان لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة.
انه واحد من كبار الأتقياء الأخفياء..!!
ولعل من نافلة القول وتكراره، أن ننوه بملازمته رسول الله في جميع مشاهده
وغزواته.. فذلك كان نهج المسلمين جميعا. وما كان لمؤمن أن يتخلف عن رسول
الله في سلم أو جهاد.
أسلم سعيد قبيل فتح خيبر، ومنذ عانق الاسلام وبايع الرسول، أعطاهما كل حياته، ووجوده ومصيره.
فالطاعة، والزهد، والسمو.. والاخبات، والورع، والترفع.
كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الانسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا..
وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها، علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر..
فحين تقع العين على سعيد في الزحام، لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل..
ستجد العين واحدا من أفراد الكتيبة الانمية.. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه، ولا في شكله الخارجي، ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!!
فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته، فلن نبصر شيئا،
فان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أيّ من مظاهر البذخ والزخرف.
انها هناك كامنة مخبوءة وراء بساطته وأسماله.
أتعرفون اللؤلؤ المخبوء في جوف الصدف..؟ انه شيء يشبه هذا..
عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام، تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه.
وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه، أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر،
والدقة، والأناة.. ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال في أقصى الأرض
سيسأل عنه الله اثنين: عمر أولا.. وصاحب الخطأ ثانيا..
ومعاييره في تقييم الناس واختيار الولاة مرهفة، ومحيطة،وبصيرة، أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا..
والشام يومئذ حاضرة كبيرة، والحياة فيها قبل دخول الاسلام بقرون، تتقلب
بين حضارات متساوقة.. وهي مركز هام لتجارة. ومرتع رحيب للنعمة.. وهي بهذا،
ولهذا درء اغراء. ولا يصلح لها في رأي عمر الا قديس تفر كل شياطين الاغراء
أمام عزوفه.. والا زاهد، عابد، قانت، أواب..
وصاح عمر: قد وجدته، اليّ بسعيد بن عامر..!!
وفيما بعد يجيء سعيد الى أمير المؤمنين ويعرض عليه ولاية حمص..
ولكن سعيدا يعتذر ويقول: " لا تفتنّي يا أمير المؤمنين"..
فيصيح به عمر:
" والله لا أدعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي.. ثم تتركوني"..؟؟!!
واقتنع سعيد في لحظة، فقد كانت كلمات عمر حريّة بهذا الاقناع.
أجل. ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم، ثم يتركوه وحيدا..واذا
انفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر، فأنّى لعمر من يعينه على تبعات
الحكم الثقال..؟؟
خرج سعيد الى حمص ومعه زوجته، وكانا عروسين جديدين، وكانت عروسه منذ طفولتها فائقة الجمال والنضرة.. وزوّده عمر بقدر طيّب من المال.
ولما استقرّا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة في استثمار المال
الذي زوده به عمر.. وأشارت عليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لائق، ومتاع
وأثاث.. ثم يدخر الباقي..
وقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا..؟؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة، وسوقها رائجة، فلنعط المال من يتجر لنا فيه وينمّيه..
قالت: وان خسرت تجارته..؟
قال سعيد: سأجعل ضمانا عليه..!!
قالت: فنعم اذن..
وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات عيشه المتقشف، ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين..
ومرّت الأيام.. وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتهما وأيّان بلغت من الأرباح..
ويجيبها سعيد: انها تجارة موفقة.. وان الأرباح تنمو وتزيد.
وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم. ثم
ضحك ضحكة أوحت الى روع الزوجة بالشك والريب، فألحت عليه أن يصارحها
الحديث، فقال لها: لقد تصدق بماله جميعه من ذلك اليوم البعيد.
فبكت زوجة سعيد، وآسفها أنها لم تذهب من هذا المال بطائل فلا هي ابتاعت لنفسها ما تريد، ولا المال بقي..
ونظر اليها سعيد وقد زادتها دموعها الوديعة الآسية جمالا وروعة.
وقبل أن ينال المشهد الفاتن من نفسه ضعفا، ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيها أصحابه السابقين الراحلين فقال:
" لقد كان لي أصحاب سبقوني الى الله... وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها"..!!
واذ خشي أن تدل عليه بجمالها، وكأنه يوجه الحديث الى نفسه معها:
" تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان، ما لو أطلت واحدة
منهن على الأرض لأضاءتها جميعا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا.. فلأن
أضحي بك من أجلهن، أحرى أولى من أن أضحي بهن من أجلك"..!!
وأنهى حديثه كما بدأه، هادئا مبتسما راضيا..
وسكنت زوجته، وأدركت أنه لا شيء أفضل لهما من السير في طريق سعيد، وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقواه..!!
كانت حمص أيامئذ، توصف بأنها الكوفة الثانية وسبب هذا الوصف، كثرة تمرّد أهلها واختلافهم على ولاتهم.
ولما كانت الكوفة في العراق صاحبة السبق في هذا التمرد فقد أخذت حمص اسمها لما شابهتها...
وعلى الرغم من ولع الحمصيين بالتمرّد كما ذكرنا، فقد هدى الله قلوبهم لعبده الصالح سعيد، فأحبوه وأطاعوه.
ولقد سأله عمر يوما فقال: " ان أهل الشام يحبونك".
فأجابه سعيد قائلا:" لأني أعاونهم وأواسيهم"..!
بيد أن مهما يكن أهل حمص حب لسعيد، فلا مفر من أن يكون هناك بعض التذمر
والشكوى.. على الأقل لتثبت حمص أنها لا تزال المنافس القوي لكوفة العراق...
وتقدم البعض يشكون منه، وكانت شكوى مباركة، فقد كشفت عن جانب من عظمة الرجل، عجيب عجيب جدا..
طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها، واحدة واحدة..
فنهض المتحدث بلسان هذه المجموعة وقال: نشكو منه أربعا:
" لا يخرج الينا حت يتعالى النهار..
ولا يجيب أحدا بليل..
وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما الينا ولا نراه،
وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا، وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين"..
وجلس الرجل:
وأطرق عمر مليا، وابتهل الى الله همسا قال:
" اللهم اني أعرفه من خير عبادك..
اللهم لا تخيّب فيه فراستي"..
ودعاه للدفاع عن نفسه، فقال سعيد:
أما قولهم اني لا أخرج اليهم حتى يتعالى النهار..
" فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب.. انه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني،
ثم أدعه يختمر، ثم اخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج اليهم"..
وتهلل وجه عمر وقال: الحمد للله.. والثانية..؟!
وتابع سعيد حديثه:
وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل..
فوالله، لقد كنت أكره ذكر السبب.. اني جعلت النهار لهم،والليل لربي"..
أما قولهم: ان لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما...
" فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس بي ثياب أبدّلها، فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر أن يجف بعد حين.. وفي آخر النهار أخرج اليهم ".
وأما قولهم: ان الغشية تأخذني بين الحين والحين..
" فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، وحملوه على
جذعه، وهم يقولون له: أحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى..؟ فيجيبهم
قائلا: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب
رسول الله بشوكة..
فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته و أنا يومئذ من المشركين، ثم تذكرت تركي
نصرة خبيب يومها، أرتجف خوفا من عذاب الله، ويغشاني الذي يغشاني"..
وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..
ولم يملك عمر نفسه ونشو ته، فصاح من فرط حبوره.
" الحمد للله الذي لم يخيّب فراستي".!
وعانق سعيدا، وقبّل جبهته المضيئة العالية...
أي حظ من الهدى ناله هذا الطراز من الخلق..؟
أي معلم كان رسول الله..؟
اي نور نافذ، كان كتاب الله..؟؟
وأي مدرسة ملهمة ومعلمة، كان الاسلام..؟؟
ولكن، هل تستطيع الأرض أن تحمل فوق ظهرها عددا كثيرا من هذا الطراز..؟؟
انه لو حدث هذا، لما بقيت أرضا، انها تصير فردوسا..
أجل تصير الفردوس الموعود..
ولما كان الفردوس لم يأت زمانه بعد فان الذين يمرون بالحياة ويعبرون الأرض من هذا الطراز المجيد الجليل.. قليلون دائما ونادرون..
وسعيد بن عامر واحد منهم..
كان عطاؤه وراتبه بحكم عمله ووظيفته، ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه.. ثم يوزع باقيه على بيوت أخرى فقيرة...
ولقد قيل له يوما:
" توسّع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك"..
فأجاب قائلا:
" ولماذا أهلي وأصهاري..؟
لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..
وطالما كان يقال له:
" توسّع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيّبات الحياة"..
ولكنه كان يجيب دائما، ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:
" ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول، بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب، فيحيء فقراء المؤمنين يزفون
كما تزف الحامائم، فيقال لهم: قفوا للحساب، فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب
عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..
وفي العام العشرين من الهجرة، لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة، وأتقى ما يكون قلبا، وأنضر ما يكون سيرة..
لقد طال شوقه الى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده، وتتبع خطاه..
أجل لقد طال شوقه الى رسوله ومعلمه.. والى رفاقه الأوّابين المتطهرين..
واليوم يلاقيهم قرير العين، مطمئن النفس، خفيف الظهر..
ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله،،
ليس معه الا ورعه، وزهده، وتقاه، وعظمة نفسه وسلوكه..
وفضائل تثقل الميزان، ولكنها لا تثقل الظهور..!!
ومزايا هز بها صاحبها الدنيا، ولم يهزها غرور..!!

سلام على سعيد بن عامر..
سلام عليه في محياه، وأخراه..
وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه..
وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد المحلاوى
مشرف منايا الاسلامي
مشرف منايا الاسلامي



رقم العضوية : 54
عارضة الانذارات :
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Left_bar_bleue0 / 40 / 4قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Right_bar_bleue

عدد المساهمات : 789
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 8vuutvjpg
قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 16441006 قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 93964820
تاريخ التسجيل : 11/02/2010
العمر : 34

قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الصحابة راضى الله عنهم   قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 مارس 2010 - 2:20

{ صهيب بن سنان - ربح البيع يا أبا يحيى }

ولد في أحضان النعيم..
فقد اكن أبوه حاكم الأبلّة ووليا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذين نزحوا
الى العراق قبل الاسلام بعهد طويل، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات، مما
يلي الجزيرة والموصل، عاش الطفل ناعما سعيدا..
وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم.. وأسر المغيرون أعدادا كثيرة وسبوا ذلك الغلام " صهيب بن سنان"..
ويقتنصه تجار الرقيق، وينتهي طوافه الى مكة، حيث بيع لعبد الله بن جدعان،
بعد أن قضى طفولته وشبابه في بلاد الروم، حتى أخذ لسانهم ولهجتهم.
ويعجب سيده بذكائه ونشاطه واخلاصه، فيعتقه ويحرره، ويهيء له فرصة الاتجار معه.
وذات يوم.. ولندع صديقع عمار بن ياسر يحدثنا عن ذلك اليوم:
" لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها..
فقلت له: ماذا تريد..؟
فأجابني وما تريد أنت..؟
قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول.
قال: وأنا اريد ذلك..
فدخلنا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.
ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا..
ثم خرجنا ونحن مستخفيان".!!
عرف صهيب طريقع اذن الى دار الأرقم..
عرف طريقه الى الهدى والنور، وأيضا الى التضحية الشاقة والفداء العظيم..
فعبور الباب الخشبي الذي كان يفصل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني مجرّد تخطي عتبة.. بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره..!
عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق، ونظام وحياة..
وتخطي عتبة دار الأرقم، التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال، واسع، وعريض..
واقتحام تلك العتبة، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤليات الجسام..!
وبالنسبة للفقراء، والغرباء، والرقيق، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر.
وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار، عمّار بن
ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته..؟؟
انه نداء الايمان الذي لا يقاوم..
وانها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يملؤ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا..
وانها روعة الجديد المشرق. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم، وضلاله وافلاسه..
وانها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي اليه من ينيب...
أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..
وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!!
ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..
وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول، وسار تحت راية الاسلام فيقول:
" لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط الا كنت حاضره..
ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها..
ولا يسر سرية قط. الا كنت حاضرها..
ولا غزا غزاة قط، أوّل الزمان وآخره، الا منت فيها عن يمينه أ، شماله..
وما خاف المسلمون أمامهم قط، الا كنت أمامهم..
ولا خافوا وراءهم الا كنت وراءهم..
وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين االعدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!!
هذه صورة باهرة، لايمان فذ وولاء عظيم..
ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن اخوانه أجمعين، أهلا لهذا الايمان المتفوق
من أول يوم استقبل فيه نور الله، ووضع يمينه في يكين الرسول..
يومئذ أخذت علاقاته بالناس، وبالدنيا، بل وبنفسه، طابعا جديدا. يومئذ.
امتشق نفسا صلبة، زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوّعها.
والأهوال فيروّعها.
ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام وجسور.ز فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر..
منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة، الى عشق
الخطر وحب الموت..
ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته، ففي ذلك اليوم
تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات
كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم
يشب جلالها تردد ولا نكوص.
فعندما همّ الرسول بالهجرة، علم صهيب بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة، هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب..
بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول..
ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعوّق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله..
وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته، وانطلق بها الصحراء وثبا..
بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوهخ.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا:
" يا معشر قريش..
لقد علمتم أني من أرماكم رجلا.. وأيم والله لا تصلون اليّ حتى ارمي كبل
سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا
ان شئتم..
وان شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشاني"..
ولقد استاموا لأنفسهم، وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له:
أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟؟
فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته، وتركوه وشأنه، وقفلوا الى مكة راجعين..
والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك، وفي غير حذر، فلم يسألوه بيّنة.. بل
ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة
يستحقها كونه صادق وأمين..!!
واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا، حتى أردك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء..
كان الرسول حالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهلاا:
" ربح البيع أبا يحيى..!!
ربح البيع أبا يحيى..!!
وآنئذ نزلت الآية الكريمة:
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد)..
أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكل ثروته التي أنفق شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون..
فمال المال، وما الذهب وما الدنيا كلها، اذا بقي له ايمانه، واذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره ارادته..؟؟
كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب الى جانب ورعه وتقواه، خفيف الروح، حاضر النكتة..
رآه الرسول يأكل رطبا، وكان باحدى عينيه رمد..
فقال له الرسول ضاحكا:" أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟
فأجاب قائلا:" وأي بأس..؟ اني آكله بعيني الآخرى"..!!
وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله، يعين
محتاجا.. يغيث مكروبا.." ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى انك لتسرف..؟
فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول:
" خياركم من أطعم الطعام".
ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فان اختيار عمر بن الخطاب اياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة..
فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر..
وعندما احس نهاية الأجل، فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال:
" وليصلّ بالناس صهيب"..
لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل اليهم أمر الخليفة الجديد..
وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة
أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، من يؤم المسلمين في الصلاة..؟
ان عمر وخاصة في تلك الللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى
الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار.. فاذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا
ممن يقع عليه الاختيار..
ولقد اختار عمر صهيبا..
اختاره ليكون امام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..
اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص الصحابة راضى الله عنهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» رساله من الله الى عباده
» مــــــــــــاذا يحب الله من دنـــــــــــــــــيانـــــــــا.
» ماشى فى نور الله
» سبحان الله
» الكفّار يسألون من خلق الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
monaya :: 
** منــايــا الاســلامــي **
 :: منايا الاسلامي العام
-
انتقل الى:  


قصص الصحابة راضى الله عنهم - صفحة 3 Radiocopy

الأن فقط مع منايا يمكنك ان تختار وتسمع علي ذوقك اذاعتك المفضلة